المرأة بين الصورة القرآنية الناصعة والتصورات المشوهة....

المرأة بين الصورة القرآنية الناصعة والتصورات المشوهة....

المرأة بين الصورة القرآنية الناصعة والتصورات المشوهة....
بقلم: نجم الشيخ داغر

نسمع بين الحين والآخر من يقول أن الإسلام يمتهن المرأة ولم يعطها الحقوق التي تستحقها، ولعل أكثر الشبهات التي تتردد بين الحين والآخر، مسألة الميراث, ومسألة شهادتها في آية الدين التي تعدل نصف شهادة الرجل، ولعل ما رسخ هذه الفكرة عند البعض هو القول الذي تتناقله كتب الأخبار ومفاده أن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل منكن، وحينما سؤل كما في الرواية عن علة ذلك قال نقص دينهن إمتناعهن عن الصلاة في أيام الحيض، ونقص عقولهن يكمن في أن شهادتهن نصف شهادة الرجل..وكذلك ما اشتهر بين الناس أن أمير المؤمنين عليه السلام قال كما نقل جامع كتاب نهج البلاغة:أن النساء ناقصات عقل ودين، لنفس العلة المذكورة.
والحق أن هذه المسألة يمكن توضيحها بجواب ذي شقين..الأول أن هناك قاعدة وردت عن الرسول وأهل بيته الكرام، تقول أن ما وردكم عنا فأعرضوه على القرآن، فما وافقه فنحن قلناه، وما عارضه فهو زخرف لم نقله..وفي مورد آخر: فإن عارض كتاب الآن فاضربوا به عرض الجدار.
من خلال هذه القاعدة نستطيع أن نلج الموضوع ونناقشه بموضوعية، بعيدا عن الموررث الديني (والمقصود به فهم الرجال، لا الحق الثابت نزوله من السماء)، وبعيدا كذلك عن ما يقوله العرف في هذه المسألة.
إذا استقرأنا القرآن وأستعرضنا الصورة التي يقدم بها المرأة من خلال آياته المباركة، تتضح لنا الصورة القرآنية للمرأة.
قدم القرآن ثلاثة نماذج للمرأة المؤمنة وخصصهن بالإسم، فيما كانت الرابعة مشمولة بآية التطهير، وهي فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، كما في آية التطهير.
إذن هي الطاهرة المطهرة في القرآن كما وصف فاطمة ومريم عليهما السلام، وهي الحاكمة الرشيدة الكيسة كما في نموذج بلقيس، وهي المرأة الثابتة على المبدأ، والمضحية بكل متع الدنيا ومباهجها، كما أشار إلى آسيا زوجة فرعون.
فلو كان الإسلام يمتهن المرأة لما قدم القرآن هذه النماذج التي تفوق أغلب الرجال في عفتها وطهارتها وحكمتهان بل وشجاعتها.
فمثلا إن قيل أن المرأة لا تصلح للقيادة، لقوة عاطفتها ونقص عقلها، إذن لماذا يضرب الله مثلا للناس في بلقيس ملكة سبأ، ولكي تتضح ملابسات الموضوع فلنستعرض القصة كما رواها القرآن الكريم، ونرى كيف قدم القرآن المرأة الحاكمة، وهل في رأيه تصلح لهذه المهمة أم لا؟.
تقول القصة أن الهدهد قال لسليمان :(اني وجدتُ امرأةً تملِكُهُمْ وأُتيتْ من كل شيء ولها عرشٌ عظيم , وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيّنَ لهم الشيطان اعمالهُمْ فصدُّوا عن السبيل فهم لايهتدون* قال سننظرُ أصدقتَ أمْ كنتَ من الكاذبين * اذهب بكتاب هذا فألقِهِ اليهم ثم تولَّ عنهم فانظر ماذا يرجعون) إلى أن يقول القرآن: (قالت يا أيها الملأ اني أُلقيَ اليَّ كتابٌ كريم * انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم * ألّا تعلوا عليَّ وأْتوني مسلمين * قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنتُ قاطعةً أمراً حتى تشهدون * قالوا نحنُ أولوا قوةٍ وأولوا بأسٍ شديد والأمرُ اليكِ فانظري ماذا تأمرين * قالت انّ الملوك اذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّةَ أهلها أذلّةً, وكذلك يفعلون * واني مرسلةٌ اليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بمَ يرجِعُ المرسلين). وملخص القصة أن سليمان عليه السلام أرسل لها خطابا يدعوها فيه وقومها الى الدخول في الإسلام (لأن جميع الديانات إسمها الإسلام كما في القرآن الكريم)، فجمعت وجهاء قومها وحكماؤهم وقادتهم ومحاربيهم ودعتهم للتشاور بشأن الكتاب، فأشار عليها الرجال بمنطق القوة الذي ينزعون إليه، نحن أولي قوة وبأس شديد، أما بلقيس المرأة الحكيمة، لم تمل إلى قولهم بل جنحت إلى الحكمة وقالت قولتها المشهورة، إن الملوك إذا دخلوا قريتها أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، على إعتبار أن سليمان كان في نظرها ملكا وليس نبيا، واقترحت بعقلها الراجح أن تبعث لهم هدية فتنظر ما ذا يصنعون، وتستمر القصة إلى أن ذهبت للقاء سليمان واطلعت بنفسها على الحضارة القائمة في ملكه في ظل نبوته، فآمنت هي وقومها لا سيما بعد أن شهدت معجزة إحضار عرشها من مملكتها في سبأ إلى الشام.

أما النموذج القرآني الآخر فكانت آسيا ملكة مصر وزوجة فرعون..والقصة جاءت لترد والله أعلم على الإتهامات التي قد تثار بل أثيرت على المرأة، بأنها تميل إلى حياة الدعة والراحة وغالبا ما تفضل دنيا الراحة على المبادئ والحق، لا سيما إن كان في متناول يدها كل مباهج ومتع الحياة، ولكي يعطي القرآن صورة مغايرة لهذا المفهوم، ضرب للناس مثلا للتدبر في قصة هذه المرأة الصابرة المجاهدة التي ثارت على فرعون وظلمه وضحت بكل ما تملك من أجل الإيمان بالمبدأ والقضية الحق، والتحقت بموسى عليه السلام وآمنت به، لتنتهي حياتها تحت تعذيب فرعون في سبيل إيمانها وعقيدتها.
أما الثالث والرابع، فكان لمريم وفاطمة اللتان طهرهما الله بنص القرآن، وجعلهما آية للناس رجالا ونساءً، قدوة واسوة.
فمريم كانت ملهمة حتى للنبي زكريا عليه السلام، حينما دخل عليها المحراب، ووجد عندها رزقا، فقال أنا لك هذا يا مريم فقالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فيقول القرآن: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)، وكأنه عليه السلام تنبه أن رزق الله لا يعترف بقوانين الأرض، فكما أنه رزق مريم عليه السلام بانواع الفاكهة في غير وقتها الأرضي، فإنه يستطيع كذلك أن يتجاوز القوانين الأرضية والمادية ويرزقه ولدا ليأنس به ويخلد ذكره، بالرغم من كبر سنه وعقم زوجته، حسب القوانين الظاهرية، وبالفعل توجه إلى الله بالدعاء ببركة إلهام مريم له، وهذا ما يؤكده القرآن بقوله هنالك دعا زكريا.
أما فاطمة عليها السلام قتنقل الروايات أن أبيها صلى الله عليه وآله كان يقبلها ويقوم لها ويجلسها مجلسه، وهذا ينم عن منزلة سامية لهذه المرأة عند الرسول الأكرم (ص)، كما أنها على درجة كيرة من الطهر والعلم والنقاء.
إذن وتأسيسا على قاعدة العرض على القرآن تبين أن المرأة لا ناقصة عقل ولا دين، بل أنها راجحة العقل كاملة الإيمان بنص الكتاب السماوي، فهل لمثل زينب الحوراء بطلة كربلاء مثلا يقال شيء عن نقص الدين أو العقل.
ثم كيف يصف النبي المرأة حاشاه بنقص الدين، مع أنها امتثلت لأمر الله تعالى في الإنقطاع عن العبادة، وليس عن أمرها، فإذن هي في حالة طاعة لله حتى مع إنقطاعها عن أداء فروضها، لأنها انقطعت امتثالا وطاعة له سبحانه.  
أما عن آية الشهادة في القرآن، فإن لها بحثا موضوعيا ولغويا كذلك، أولا يقول القرآن (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) .
فعلى المستوى اللغوي هنالك نكتة في قوله أن تضل إحداهما، يعني المسألة مشروطة بالنسيان، لأن الضلالة هنا معناها التحير أو النسيان، وليس انتقاصا من شأنها، أي ليست هي قاعدة عامة بالتعامل مع النساء، بدليل استخدامه لأن الشرطية، بل لعلها راعت الضروف التي تمر بها المرأة في حالة الحمل مثلا أو الرضاعة، أو طرو الدورة الشهرية عليها، ففي هذه الحالات ربما تصاب المرأة بحالة من النسيان او التشتت، لذلك وحرصا على الحقوق العامة للناس، احتاط الشرع لذلك ودعم شهادة المرأة بأخرى مثلها من بني جنسها، لا انتقاصا لشأنها.
وهذا ما تؤكده بعض الدراسات الطبية عن الأعراض التي تصيب المرأة عند الحالات التي ذكرناها.
 ففي دراسة حديثة قام بها علماء في (سيدني ـ أستراليا) ونشرت نتائجها على شبكة CNN وشبكة BBC الإخبارية بعنوان الدراسة: Pregnancy does cause  memory loss, study says (الحمل يجعل الذاكرة أقل، الدراسة تقول ذلك). أثبتت الدراسة أن الحمل يتسبب بضعف ذاكرة النساء، وأن هذه الحالة تستمر لفترة ما بعد الولادة أحياناً حيث يتسبب الحمل في تناقص طفيف في عدد خلايا الذاكرة لدماغ الأم الحامل.
وقالت جوليا هنري، وهي إحدى العاملات على البحث من جامعة نيوساوث ويلز بسيدني، لشبكة CNN : "ما وجدناه هو أن المجهود الذهني المرتبط بتذكر تفاصيل جديدة أو أداء مهام متعددة المراحل، يصاب باضطراب." وأضافت: "قد تعجز المرأة الحامل مثلاً عن تذكّر رقم جديد، لكنها ستستعيد بسهولة الأرقام القديمة التي كانت تطلبها على الدوام." و قالت هنري إنها قامت، بمساعدة الدكتور بيتر ريندل، بوضع هذه الدراسة بالاعتماد على تحليل 12 بحث شمل مسحاً لقدرات النساء الذهنية قبل الولادة وبعدها .    
ولفتت إلى أن النتائج تشير إلى احتمال استمرار حالة الاضطراب هذه بعد الولادة لعام كامل أحياناً، دون أن تؤكد بأن الوضع يتحسن بعد تلك الفترة بسبب الحاجة إلى المزيد من الأبحاث. غير أن الدراسة لم تحدد أسباب هذه الظاهرة، نظراً للحاجة إلى إجراء المزيد من الفحوصات المخبرية المعمقة، وإن كانت قد استعرضت مجموعة من السيناريوهات المحتملة، وفي مقدمتها تبدل هرمونات الجسد والتغيّر السريع في نمط العيش .الخلاصة رأي العلم : المرأة الحامل تصاب ذاكرتها بالضعف والاضطراب أثناء الحمل وربما تعاني من ضعف الذاكرة لمدة عام كامل أحياناً بعد الولادة وربما أكثر بسبب تناقص في عدد خلايا الذاكرة وللأسباب غير معروفة لحد الآن.

المصدر: وکالة أنباء براثا

إضافة تعليق جديد