السيدة نرجس والدة صاحب الزمان الإمام المهدي (ع) وقصة زواجها من الإمام الحسن العسكري (ع)
السيدة نرجس أم صاحب الزمان الإمام المهدي (ع)
السيد البيزنطينية الجليلة نرجس بنت يشوعا ابن قيصر ملك الروم وأمها تنسب إلى شمعون وصي عيسى (ع). وتلقب السيدة نرجس أيضاً بسوسن وريحانة ومليكة ومريم ....
السيدة نرجس هي والدة صاحب الزمان الإمام المهدي (ع) وقصة زواجها من الإمام الحسن العسكري (ع) وولادتها للإمام المهدي (ع) مليئة بالعبر والكرامات والتوفيق الإلهي.
وردت قصة السيدة نرجس في عدة مصادر نذكر منها رواية ملخصها ما يلي:
روى ابن بابويه والشيخ الطوسيّ - بإسناد معتبر- عن بشر بن سليمان قال: ... أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى، وقد مضى هويّ من الليل إذ قَرع الباب قارع، فعدوتُ مسرعاً، فإذا أنا بكافور الخادم- رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد(ع) يدعوني إليه- فقال: "مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ يدعوك إليه".فلبستُ ثيابي ودخلت عليه، فرأيتُه يُحدّث ابنه أبا محمد(ع) وأخته حكيمة (ع) من وراء الستر.
فلمّا جلستُ بين يديه قال لي: يا بشر، إنّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خَلَف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة، بسرٍّ أطلعك عليه، وأنقذك في ابتياع أمة".
فكتبَ كتاباً لطيفاً بخطّ روميّ ولغة روميّة، وطبعَ عليه خاتمه، وأخرج شقّة صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً، فقال: خُذْها وتوجَّهْ بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلَتْ إلى جانبك زواريق السبابا وترى الجواري فيها، ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرِفْ من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين، تمتنع من العرض ولمس المبتاعين، والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق، فاعلم أنّها تقول: وا هتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: عليّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربيّة: لو برزت في زيّ سليمان بن داود، وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفِق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعِك؟، فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، وإلى وفائه وأمانته؟. فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقُلْ له: إنّ معي كتاباً ملطّفاً لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخطّ روميّ، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها إيّاه لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك".
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (ع) في أمر الجارية، فلمّا نظرَتْ في الكتاب بكَتْ بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد: بعني مِن صاحب هذا الكتاب، وحَلَفتْ بالمحرّجة والمغلّظة أنّه إذا امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلتُ أشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي(ع) من الدنانير، فاستوفاه، وتسلّمتُ الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفتُ بها إلى الحجيرة التي كُنت آوي إليها ببغداد، فما أخذَها القرار حتّى أخرجَتْ كتاب مولانا (ع) من جيبها وهي تلثمُه، وتطبقُه على جفنها، وتضعُه على خدّها وتمسحُه على بدنها، فقلتُ - تعجّباً منها-: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟
فقالت: أيّها الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأُمّي من ولد الحواريّين تُنسب إلى وصيّ المسيح شمعون بن حمّون بن الصفا، وأنبّئك بالعجب.
إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمئة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرَزَ من بَهِيّ ملكه عرضاً مصاغاً من أصناف الجوهر، ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه، وأحدقت الصُّلُب، وقامت الأساقفة عكّفاً، ونُشِرت أسفار الإنجيل، تسافلتِ الصّلب من الأعلى فلصقت الأرض، وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار، وخرّ الصاعد من العرض مغميّاً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك، إعفني من ملاقاة هذه النحوس، فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان... ولمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل، وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النساء، وأرخيت الستور.
أُريتُ في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوَّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليه محمّد (ص) وآله وختنه ووصيه (ع) وعدة من أبنائه (ع) فتقدّم إليه المسيح فاعتنقه، فقال له محمّد (ص): يا روح الله، إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد (ع) ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف، فصِلْ رحمك برحم آل محمّد (ع).
قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد (ص) وزوّجني من ابنه، وشهد المسيح (ع) وشهد أبناء محمّد (ص) والحواريّون.
فلمّا استيقظتُ أشفقتُ أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنتُ أسرُّها ولا أبديها لهم، وضُرب صدري بمحبّة أبي محمّد (ع) حتى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي، ودقّ شخصي، ومرضتُ مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي.
فلمّا برّح به اليأس قال: يا قرّة عيني هل يخطر ببالك شهوة فأزوِّدكها في هذه الدُنيا؟
فقُلتُ: يا جدّي، أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنكَ من أسارى المسلمين، وفككتَ عنهم الأغلال، وتصدّقتَ عليهم ومنّيتهم الخلاص رجوتُ أن يهبَ المسيح وأمُّه لي العافية.
فلمّا فعل ذلك تجلّدتُ في إظهار الصحّة من بدني قليلاً، وتناولتُ يسيراً من الطعام، فسُرَّ بذلك، وأقبلَ على إكرام الأسارى وإعزازهم........
قال بشر بن سليمان: فقُلْتُ لها: وكيف وقعتِ في الأسارى؟
فقالت: أخبرني أبو محمّد (ع) في ليلة من الليالي. قال: إنّ جدّكِ سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم، فعليكِ باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف، من طريق كذا، ففعلتُ ذلك، فوقفَتْ علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيتُ وما شاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحدُ سواك، وذلك باطلاعيَ إيّاكَ عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعتُ إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرت وقلت: نرجس.فقال: اسم الجواري.
قال بشر: قُلتُ: العجب أنكِ روميّة ولسانك عربيّ؟
قالت نعم، من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أَنْ أوعز إلى امرأة ترجمانة له في الاختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربيّة حتّى استمرّ لساني عليها واستقام.
قال بشر: فلمّا انكفأتُ بها إلى سُرّ من رأى، دخلَتْ على مولاي أبي الحسن(ع) فقال لها: كيف أراكِ الله عزّ الإسلام وذل النصرانية وشرف محمّد وأهل بيته (ص)؟
قالت: كيف أصفُ لك يابن رسول الله ما أنت أعلمُ به منّي؟
قال (ع): فإنّي أحبّ أن أكرمك، فأيّما أحبّ إليكِ؛ عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد؟
قالت: بل بشرى ...
قال (ع): أبشري بولد يملك الدُّنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.
قالت: ممّن؟
قال (ع): ممّن خطبك رسول الله (ص) له ليلة كذا في شهر كذا في سنة كذا، ثمّ قال لها بالرومية: ممّن زوجّك المسيح (ع) ووصيّه.
قالت: من ابنك أبي محمّد (ع).
فقال (ع) هل تعرفينه؟
قالت: وهل خلَتْ ليلة لم يزرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء (ع).
قال بشر: فقال مولانا (ع): يا كافور، ادعُ أختي حكيمة، فلمّا دخَلتْ قال لها: ها هي فاعتنقتْها طويلاً وسرَّتْ بها كثيراً.
فقال لها أبو الحسن (ع): يا بنتَ رسول الله، خُذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسُنن، فإنّها زوجة أبي محمّد، وأُمّ القائم (ع). (إلى هنا الرواية)
وهكذا تم الزواج المبارك بين السيدة نرجس والإمام الحسن العسكري (ع). وعندما حملت السيدة نرجس بالإمام المهدي (ع) لم يلاحظ عليها ذلك بقدرة الله عز وجل. ولذلك تقارن أحياناً بأم نبي الله موسى (ع) التي أخفت ولادته عن الناس خوفاً من فتك فرعون به.
وفي رواية عن ابن بابويه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار، قال: حدثنا ابو عبد الله الحسين بن رزق الله، قال: حدثني موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا عمه إجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه، قالت: فقلت له: ومن أمه؟ قال لي: نرجس...قلت له: والله جعلني الله فداك ما بها أثر. فقال: هو ما أقول لك.
قالت: فجئت، فلما سلمت جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي وسيدة أهلي كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمه؟ قالت: فقلت لها: يا بنية إن الله تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة قالت: فجلست واستحيت.
فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة ثم أضجعت معقبة ثم انتبهت فزعه وهي راقدة، ثم قامت فصلت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول ..... وهي نائمة فدخلتني الشكوك، فصاح بي أبو محمد عليه السلام من المجلس فقال لي: لا تعجلي يا عمة فهناك الأمر قد قرب قالت: فجلست وقرأت الم السجدة، ويس، فبينما أنا كذلك إذا نتبهت فزعه فوثبت إليها فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: أتحسين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت حكيمة ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشفت الثوب عنه، فإذا به عليه السلام ساجد يتلقي الأرض بمساجده فضممته إلى فإذا أنابه نظيف متنظف فصاح بي أبو محمد عليه السلام هلمي إلى ابني يا عمة، فجئت به إليه فوضع يده تحت إليته وظهره ووضع قدميه على صدره ثم أدلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثم قال: تكلم يا بني فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم صلى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة عليهم السلام إلى أن وقف على أبيه ثم احجم.
ثم قال أبو محمد عليه السلام: يا عمة اذهبي به إلى أمه ليسلم عليها وائتيني به، فذهبت به فسلم عليها ورددته فوضعته في المجلس، ثم قال: يا عمة إذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد عليه السلام وكشفت الستر لأتفقد سيدي عليه السلام فلم أره، فقلت: جعلت فداك ما فعل سيدي؟ فقال: يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسى، موسى عليه السلام.
قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت وسلمت وجلست فقال: هلمي إلى ابني فجئت بسيدي وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ثم ادلي لسانه في فيه كأنما يغذيه لبناً أو عسلاً ثم قال: تكلم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم ثني بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حتى وقف على أبيه عليه السلام ثم تلا هذه الآية: بسم الله الرحمن الرحيم (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)....(انتهى)
بعد حياة مليئة بالتقى والعطاء والإخلاص لله عز وجل توفيت السيدة الجليلة التقية نرجس عليها السلام في سامراء وهي مدفونة في مقام ضريح الإمام الحسن العسكري عليه السلام في سامراء.
المصدر: اسلام
إضافة تعليق جديد