الإمام السيد عبدالحسين شرف الدين

 الإمام السيد عبدالحسين شرف الدين

المولد والنشاة

ولد مستهل جمادى الثانية لسنة (1290ه‏-) في ‏المشهد المقدس الكاظمي اثناء رحلة والدي لطلب‏ العلم.

واقول: عاد بة ابوه الى صور وهو في ثامنة عقده الاول،واوطنه قريتهم (شحور) يرتع في مرابعها، ويرتوي من‏عذبها، في كنف والدين بسطا له جناح رحمتهما، واحنياعليه بالتربية، وتحدبا عليه بالتغذية، وطبعاه على مبادئ‏ الدين القويم، وعلماه منذ نعومته على اقامة قرة عين‏الرسول الاكرم ( (الصلاة)، فجرت منه مجرى الروح في الجسد،وهكذا يفعل فعله التعليم في الصغر..

قرا في اول امره القرآن على احد المعلمين، ثم جوده‏على عمه السيد محمود شرف الدين، بعدها تولى والده‏المبرور تعليمه العلوم العربية من صرف ونحو ومعاني‏وبيان وبديع وادب. كما قرا عليه المنطق وكتابي (فقه‏الامامية)، و(شرائع الاسلام).

واثناء قراءته العربية كان‏ابوه يلزمه حفظ بيتين في كل يوم من ديوان الحماسة اوغيره من شعر العرب، كما الزمه بحفظ الفية ابن‏مالك.

وما ان راى الوالد في ابنه اليافع بوارق النجاح، وبوادرالهمة العالية على تلقي الدروس، ازمع على ارساله الى‏حاضرة العلم ومدينته (النجف الاشرف). فتهللت نفس‏الولد الشاب لهذا العزم الذي ما كان يقدر عليه كل احدمن اقرانه آنذاك الا النوادر واصحاب الهمم العالية،والنفوس الكبيرة التي لا ترضى بالقليل، الا بالتوجه الى‏باب مدينة العلم، والانتهال هناك من فيض العلوم على‏كبار اساتذة هذه الجامعة الدينية وعظمائها.

فهي مطمح ‏كل نائل، واليها يصبو كل عاشق لعلوم محمد ( وآله ‏الاطهار رحمه ‏اللّه وفيها يجد كل صب غليل برد اواره..جامعة النجف الدينية وحسبك بها من اشعاع لفقه الدين‏واصوله، ونجعة المعارف الالهية، وعكاظ الادب الرائق،ولرجال كانوا الطلائع في ميادين السيف والقلم، وقدملؤوا عين التاريخ ابهة وبهاء .. وقرطوا آذان الدنيابفكرهم وجهودهم وجهادهم.. وصاغوا قلائد عز واباء،ومجد مؤثل للدين الاسلامي الحنيف، تخشع لهاالقلوب وتهتز طربا، زانوا بها جيد الزمان، ومترجمناواحد من اولئك الافذاذ.

الرحلة في طلب العلم

قلنا ان المترجم كانت نفسه تهفو الى قبلة الدارسين، باب‏مدينة العلم.. ولما زمع السيد يوسف على ارسال ولده‏عبدالحسين الى العراق، راح يعد له مستلزمات السفر،فاقرنه في سابعة عقده الثاني مقدمة بابنة عمه السيدمحمود ابن جواد، وما ان فطمت له طفلته البكر، حتى‏راى الوالد انه قد حان اوان السفر. فارسل معه امه بناءعلى رغبتها، واخاه الصغير - من ابيه - السيد شريف،وخادمة لهم مع قرينته وطفلتهما، فتحرك الركب في‏التاسع من ربيع الاول سنة (1310ه‏- / 1892م) من‏بيروت بحرا نحو الاسكندرونة، فحلب، فدير الزور،فالكاظمية، في رحلة دامت اثنين وخمسين يوما، حيث‏وردوها اوائل طلوع فجر اليوم الثاني من جمادي الاولى‏من تلك السنة، فالقوا عصا الترحال بكنف جده لامه‏السيد محمد هادي، الذي كان يقطن الكاظمية مجاوراالامامين الجوادين (.

ولما استقر بهم النوى، آثر خاله السيد حسن‏الصدر((326))، الذي كان يومها في مهجره (سامراء)بمعية ابن عمه السيد اسماعيل الصدر، ان يحضرالمترجم عندهما عن الذهاب الى النجف. فوافقهما جده‏على هذا الامر، وهكذا نزل سامراء، وكانت يومئذ - على‏حد قول المترجم نفسه - آهلة باعلام الهدى، زاهرة‏بمصابيح الدجى((327)). فاقام فيها سنة واحدة وشهرين‏مكبا على الدرس.

وعلى اثر فتنة طائفية سامرية حدثت هناك، كانت‏شرارتها ورياحها السوداء قد مست حرمة المجتهد الاكبرالامام السيد محمد حسن الشيرازي نفسه، حين كان يقيم‏في تلك الديار، في اثناء هذه الفتنة وعند استفحالها عادالصدور وبمعيتهم شرف الدين قافلين بقصد النجف‏الاشرف، مرورا بالكاظمية، وبعد مكث يسير فيها خف‏الرجال مولين الوجوه شطر النجف، قبلة الوفاد. كان ذلك‏على ما يبدو لي منتصف عام (1311ه‏-) او بعده‏بيسير.

وما ان حط رحال السفر، حتى شرع في الدروس يلتهمها التهاما، ويقف على فضلاء الحوزة العلمية وفطاحل‏علمائها في العلوم والمعارف، يلازم هذا، ويتبع ذاك‏اتباع الفصيل اثر امه. وقد ملا كل وقته درسا ومباحثة‏ومناقشة لمعضلات المسائل، ولم يزل في النجف‏الاشرف ضاربا اطنابه على الاشتغال، ملقيا جرانه على‏اخذ العلوم من افواه الرجال، كما كتب يقول:  قائما على‏ساق مفيدا ومستفيدا، محاضرا ومناظرا، ومدرسا،ومؤلفا، لا الوي على شي، حتى قفلت راجعا بنجح‏حاجتي الى عاملة، منقلبا اليها اجمل منقلب‏ .

ويضيف:  ما عنيت مدة اقامتي في العراق - وكانت‏اثنتي عشرة سنة - بغير ما هاجرت اليه، حتى اني لم‏اتصل بغير اهل العلم، ولم اتعرف باحد سواهم من سائراهل العراق، بل لم ار من حواضرها وبواديها غيرالمشاهد الاربعة والكوفة وبغداد، وما كان في طريقي‏الى هذه البلاد. اذ كنت رائد حاجة ماضي العزيمة فيها،وحيث انها تستفرغ وسعي، وتستغرق اوقاتي لم يكن لي‏عنها مذهب‏ .((328)) وكما كان ابتداء رحلته العلمية من جبل عامل في التاسع‏من ربيع الاول، وقد راى اليمن والتوفيق وحسن العاقبة‏بتلك الحركة، فقد آثر ان تكون رحلة العودة الى الوطن‏في نفس ذلك اليوم، رجاء ان يسعده التوفيق ثانيا كمااسعده اولا.

وفعلا زم ركائبه من النجف في تاسع اول الربيعين من‏عام (1322ه‏-)، قافلا في رحلة العودة بعد اثني عشرعاما، ولكن شتان ما بين رحلتي الذهاب والاياب!وشتان بين عبدالحسين الذاهب الى مدينة العلم، وبين‏عبدالحسين القادم من مدينة العلم، وقد ثنيت له الوسادة‏هناك. دخلها وهو محمل بحقائب السفر، وعاد منها اليوم‏محملا باجازات الاجتهاد المطلق من اكابر علمائها.فاستقبلته قريته (شحور) والقرى التي مر بها، ابتداء من‏مدينة دمشق، استقبال الفاتحين الابطال، بل قل:استقبال القادة المراجع العظام، وليس هو الا ابن العقودالثلاثة لم يتخطاها سوى بعامين ينقصهاهلالان.

وعقدت له مجالس التكريم والحفاوة اينما حل في‏طريق عودته، حتى استقر به المسير في مرابع الصبا(شحور)، ومن هذه النقطة.. ومن ذلك التاريخ بدا شرف‏الدين خطواته الجهادية الاولى في مسيرة الالف ميل،فابتدا يرسم على الارض ما كانت تختزنه مخيلته من‏افكار تجديدية على طريق تحقيق اسلام عصري، بل‏الاصح القول بناء مسلمين يواكبون العصر الحديث، والافالاسلام طبيعة متجدد في ذاته، انما التجديد يتطلب في‏آلياته التي يجب ان تساير التطور في جميع مقاطع‏المسيرة العلمية.

نعم، وهكذا كان، فمنذ ذلك الحين بدات مرحلة الابداع‏والانتاج والعطاء في حياة المترجم العملية، وراح يرسم‏المناهج الجديدة، ويضع الليات الحديثة لينهض‏ بالقرى والمدن العاملية، ثم بمنطقة الجبل العاملي‏المحرومة من ابسط انواع الخدمات الاجتماعية. ومن‏هنا - ايضا - كانت بداية مشاريعه النهضوية الدينية‏والاجتماعية يوم حل في صور اواخر عام (1325ه‏-)،وبالتحديد في منتصف شهر الحج.

وينهمك السيد شرف الدين في تاسيس المشاريع‏ورعاية الخدمات الثقافية والاجتماعية مدة سبع سنين‏ينقطع فيها عن الرحلة، ليواصل بعدها رحلته العلمية،ويفتتحها بالازهر الشريف، الذي كان الامنية الكامنة في‏نفسه، حتى حفزها فيه خاله السيد محمد حسين الصدرحين زارهم اواخر سنة (1329ه‏-/1911م) في‏عاملة.

يتحدث السيد المترجم عن ذلك فيقول:  فوجدتني‏واياه نمخر عباب البحر في باخرة القت مراسيها في بورسعيد، ثم حملنا القطار منها الى القاهرة‏ .

ويضيف:  وكان لهذه الزيارة اثر محمود في نفسي وفي‏حياتي.ذلك اني توخيت ان اتغلغل في الحياة العلمية،واستبطن دخائل المجتمعات الادبية بالتحدث الى‏العلماء، والسماع منهم، وتبادل الزيارات بيني وبينهم،وبالمناظرة في اهم المسائل العلمية التي كانت مدارالبحث، ومحك الفضيلة‏ .

والحق، لقد كان لزيارته الازهر ثمار دانية القطوف،عميمة النفع على كثير من الصعد. فبعد مرور عاما على‏تلك الزيارة، ما زلنا نحن جيل اليوم، ابناء القرن الخامس‏عشر الهجري وقد تخطينا ربعه، نقطف ثمارها جنية،ونستذوقها طرية، وكانها وليدة يومنا. وما ذلك الا لانهانبتت على اخلاص وود من كلا طرفي الحوار، وما كان‏للّه ينمو، ]فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس‏فيمكث في الارض.[ وعن فؤائد الزيارة وآثارها كتب السيد شرف الدين‏يقول:  لو لم يكن من آثار هذه الزيارة الا هذا الكتاب -يعني كتاب المراجعات - لكانت جديرة بان تكون‏خالدة الاثر في حياتي على الاقل‏ .

وعن نتائج هذه الزيارة يقول السيد:  ومهما يكن من امرفقد نعمنا بمصر في خدمة هذا الشيخ - يعني به شيخ‏الازهر يومئذ سليم البشري - واتصلنا بغيره من اعلام‏مصر المبرزين اذ زارونا وزرناهم، اخص منهم العلامتين‏الشيخ محمد السملوط‏ي والشيخ محمد بخيت، وقدنجمت هذه الاجتماعات الكريمة عن فوائد جمة اقلهاالاتصال الفكري بين مدرستي النجف والازهر،والتعارف بين خريجي هذه وخريجي تلك على مدى مافي كل منهما من اسباب التفكير، وطرق الدراسة ووفرة‏المحصول. ودع عنك ما لهذا الاتصال من النتائج‏الحسنة التي تعود على الوحدة الاسلامية باعم الفوائدواجداها .

هكذا كان يفكر رجل الوحدة ورائدها، وكم كان يتمنى ان‏تستمر هذه الزيارات، كيما تتوال حلقاتها وتتساقى الامة‏متفاهمة متحابة كؤوس الصفاء والولاء.

ثم يواصل حديثه عن النتائج قائلا:  وممن نعمنابخدمته في مصر وتبادلنا معه الزيارات، وكانت بينناوبينه محاضرات ومناظرات في مسائل فقهية واصولية‏وكلامية دلت على غزارة فضله ورسوخ قدمه في العلم‏والفضيلة لشيخنا الشيخ محمد عبدالحي بن عبدالكريم‏الكتاني الادريسي الفاسي‏ .

ويعد نحو خمسة او ستة اشهر - بتقديرنا - عاد من‏مصر في جمادي الاولى من سنة (1330ه‏-) الموافق في‏آيار من سنة (1912م)، وهو يحن اليها حنين ناء مبتعدعن ديار الحبيب، ولم يتماسك وجده حتى خف اليهاثانية بعد ثمان سنوات، كي يطفئ منها غلة بقيت تاجج‏في نفسه.

وقبل رحلة مصر، كانت للامام شرف الدين رحلة الى‏المدينة المنورة في شهر الصيام من عام(1328ه‏-/1910م)، لم نتعرض لها لانها لا تدخل في‏شرط عنواننا الذي وضعناه، وهو الرحلة في طلب العلم.فالزيارة كانت دينية بحتة، ولم يكن لها شديد تاثير  في‏تكوين فكر شرف الدين ذلك لانها فضلا عن طابعها الديني البحت، فهي تقيد صاحبها بوقت محدد لا يسمح‏ له بالاتصال برجال الفكر والاصلاح، او بالاطلاع بعمق‏على النتاج الفكري، او ارتياد المكتبات... ((329)).وهكذا بقية رحلاته الدينية الاخر، كما كانت له رحلات‏سياسية سنعرض لها في ما يلي من انشطته.

دراسته:
المحنا في باب مولده الى شذرات من حياته العلمية‏الاولى في موطنه (شحور)، احدى قرى قضاء صور في‏الجنوب اللبناني.

وما لم نذكره هناك نسلط الضوء عليه هنا، بغية توضيح‏الجوانب المهمة التي اكتنفت حياة المترجم العلمية،حيث فهمنا من خلال ما كتب عنه رضوان اللّه عليه، ان‏اباه كان يحمله على الصعاب، ويضطره الى التمحيص‏والتدقيق والتنقيب ما فيه زيادة عن حد اللزوم، وما فيه‏نوع كلفة ومشقة، لكن التلميذ كان يتجلد لكل صعب،وينوء بكل ثقل، وكان وعاء يتسع لكل ذلك وزيادة،يتحدث السيد عن نفسه فيقول:  ثم اقبل المقدس والدي‏على تعليمي بنفسه، واسترسل الى تلقيني الدروس‏بانسه، فالقيت اليه سمعي، واصغيت اليه بلبي، حتى‏اخذت عنه العلوم العربية: الصرف والنحو والمعاني‏والبيان والبديع والادب العربي وعلم المنطق بكل ضبط‏واتقان، واخذت عنه (نجاة العباد) للعمل على مقتضاها.وقرات عليه كتابي (فقه الامامية)، و (شرائع الاسلام)،وكان يامرني بكتابة دروسي وعرضها عليه، فما فاتني‏كتابة شي مما قراته عليه من الدروس العربية والمنطقية‏الا قليلا.وحين قرات عليه كتب النحو كان يفرض على قراءة‏العبارة على العربية، ثم اعرابها ثم تفسيرها قبل الدرس‏في كل يوم، وكنت احفظ في كل يوم بيتين من ديوان‏الحماسة او غيره من شعر العرب، فاتلوهما وافسرهمابين يديه بعد مراجعة القاموس في حل الغريب من‏مفرداتهما، ولم يجعل لي مندوحة من ذلك ابدا.والزمني بحفظ الفية ابن مالك حين قرات عليه شرحها،وكان في شهر رمضان يلزمني بمتابعته في قراءة القرآن -وكان من القراء - وهناك اجزل الفوائد، وارجى المنافع‏بخشوع الابصار، وسكون الجوارح خشية وفرقا .

بعد ان تاهل لمرحلة السطوح العالية بانهائه مرحلة‏المقدمات بنجاح وتفوق، ارسله ابوه السيد يوسف الى‏العراق لمتابعة الدراسة العليا. فكانت بالنسبة له المرحلة‏الثانية، حيث ابتداها في سامراء بقراءة (شرح اللمعة)على الشيخ باقر حيدر((330)).

ولما راى الاستاذ من‏الطالب شدة الاستعداد لفهم المطالب، اخذ يطوي له في‏اليوم الواحد ما لا يطوى في اسبوع، وبهذا الخصوص‏يقول:

 واندفع يعدو بي حثيث السير في ذلك الكتاب‏المستطاب، على ما كان ملتزما به من اعمال الروية‏الثاقبة، والنظر الدقيق، والغور البعيد، راعى في عمله‏هذا مطابقته لمقتضى الحال. اذ لم يرني والحمد للّهبمحتاج في (اللمعة) الى استاذ، فكان يغذ بي السير فيها،وربما حضني فقال: لا تؤن فرصتك، ولا تكن عوقا، فماعتم ان ختم الكتاب، والحمد للّه على الهداية الى‏الصواب‏ .

وقرا مباحث الالفاظ من كتاب (الفصول في علم‏الاصول) على الشيخ حسن الكربلائي، وكان يتباحث مع‏رفيق درسه السيد مهدي بن محمد بحر العلوم، وكان‏كلما قرا فصلا من الكتاب رجعا الى كتاب (القوانين)لمراجعة قانونه، حتى انتهيا من مباحث الالفاظ على‏هذه الكيفية. علما بانه لم يقرا (المعالم) على استاذ،والذي هو من جملة المناهج التي يجب ان يمر عليهاطالب العلم تدرجا، حيث راى السادة من اسرته من‏استعداده وتفوقه انه يستطيع الاستغناء عنها وعن‏القوانين بكتاب (الفصول). وفي الاثناء طالعا (شرح‏التلخيص) - المطول - للتفتازاني، وسبراه معا متوازرين‏لا يعتري احدهما مشكل الا وكان عند الخر حله.

ومما حضره في سامراء مجلس الشيخ ملا علي السلطان‏آبادي في الحكمة والاخلاق، صباح كل جمعة، وكان‏محفلايشهده كبار اعلام الدين كالسيد اسماعيل الصدر،والميرزا حسين النوري، والشيخ محمد تقي الشيرازي،والسيد ابراهيم الخراساني، والميرزا حسين النائيني،والشيخ حسن الكربلائي، وغيرهم. وعن الشيخ القدوة‏السلطان آبادي ومجلسه يحدثنا شرف الدين:  وكان‏اعلام الدين ينتدون يوم الجمعة مجلسه لينتجعواحكمته، ويردوا شرعته، وكان ممن ترمقه ابصارالصديقين، وتمد اليه اعناق المقدسين... فاذا فاض في‏الحكمة تفجرت ينابيعها على لسانه، فملك اعنة‏القلوب، ورد شوارد الاهواء، وقاد حرون الشهوات،وقوم زيغ النفوس، فخفقت الافئدة خيفة، وخشعت‏الجوارح خشية، فكان لغدوي الى خدمته، واستماعي‏لحكمته اثر هو ارجى ما ارجوه‏ .((331)) ولما استقرت به الدروس وانتسقت، حدثت فتنة اثارهابعض نواصب سامراء وما حولها من اعراب، واخذ يشتداوارها، وتستحكم اواصرها، فتشوشت الدراسة هناك‏وتعثرت، فانتقل المترجم بمعية خاله وابن عمه مع عددآخر من الدارسين والمدرسين الى حيث مهوى افئدة‏الدارسين، ونجعة طلاب العلوم والفنون، عاصمة الدين‏والمذهب، ومهبط العلم والعلماء، فناء الوصي، ومثوى‏باب مدينة علم النبي، النجف الاشرف، على ساكنه‏آلاف التحية والتسليم.

اشتغل فور حلوله ارض الغريين بدرس (المكاسب) في‏الفقه على استاذه في (شرح اللمعة) الشيخ باقر حيدرالذي كان سبقهم الى النجف، فسار معه في المكاسب‏سيرته الاولى في درس سامراء، سيرا حثيثا مع الغوص‏على الحقائق، والكشف عن الغوامض، والمناقشة،ومعارضة الحجة، حتى اتى على الكتاب الا يسيرا من‏ابوابه. وقرا العبادات من كتاب (الرياض) على الفقيه‏العلامة الشيخ علي باقر الجواهري. واما (الفرائد) في‏الاصول فقد وقف في دراستها عند السيد محمد صادق‏الاصفهاني، الذي اغرق به في البحث عن كنوز (فرائدالاصول) تصويبا وتصعيدا، يقلبها له ظهرا لبطن.

وعن‏دراسته للرسائل وتشجيع استاذه له الى اقتحام عقبتهايقول:  مهيبا بي الى سبر غورها، واختبار كنهها، وكان‏يربع حجري في غوامضها، ويبلو ما عندي في اسرارها،فيعود قرير العين مغتبطا، محبورا بعواقب جهوده في‏تخريجي، وآثار ما ارهفه من عزائمه في تدريسي.وما ان انتهينا الى منتهى الكتاب حتى انضويت معه الى‏منبر استاذه الشيخ محمد كاظم الخراساني... .((332)) وكان الخراساني اذاك قد شرع في تاليف (الكفاية)، فكان‏كلما حرر شيئا منها، جاء والقاه على تلامذته، وهم‏يومئذ يربون على الثلاثمئة طالب من اهل الفضل‏ والتحقيق، وكان السيد محمد صادق الاصفهاني من‏المبرزين فيهم.

يتبع ..2

الإمام السيد عبدالحسين شرف الدين

مؤلفاته المفقودة:
1 / 21 - شرح التبصرة: كتاب في الفقه الاستدلالي.
2 / 22 - تعليقة على استصحاب رسائل الشيخ:[النصار؟]في اصول الفقه.
3 / 23 - رسالة في منجزات المريض: وهي‏استدلالية.
4 / 24 - الفوائد والفرائد: يتضمن مسائل مشكلات‏الفقه والاصول.
5 / 25 - تحفة الاصحاب في حكم اهل الكتاب.
6 / 26 - سبيل المؤمنين: 3 مجلدات في الام

إضافة تعليق جديد