أحدث مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية تثير الدهشة حول الحرب على داعش
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء الماضي، عن تعاقد جديد لتصدير الأسلحة يشمل بيع صواريخ بقيمة 1.75 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية.
وقال مسؤول في فرع وزارة الدفاع الأمريكية، المسؤول عن صادرات الأسلحة بوكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكي، إنّ العقد يتضمن بيع 202 صاروخ باتريوت إلى الدولة الخليجية التي تشارك حاليًا في ضربات التحالف ضدّ داعش في سوريا، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
كما شملت الصفقة تعهدًا من المقاولين الرئيسيين بالمساهمة في تنمية الاقتصاد المحلي للمملكة العربية السعودية بعد اكتمال الصفقة، على الرغم من عدم توافر أية تفاصيل بشأن الكيفية التي يمكن أن ينفذ بها هذا التعهد.
يذكر أن الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في هذا العقد الضخم، هما شركة رايثيون وشركة لوكهيد مارتن، وهما اثنتان من الشركات الرائدة في مجال الدفاع بالولايات المتحدة.
إلا أن كلا الشركتين غارقتان حاليًا في الفضيحة، بعد أن اتضح يوم الأربعاء الماضي أنهما من بين الشركات الرائدة في مجال الدفاع الامريكية التي توفر تمويلًا كبيرًا لمركز السياسة الأمنية (CSP)، وهو مؤسسة بحثية مقرّها واشنطن، أُنشئت لتعزيز الأمن القومي الأميركي، وتدير عددًا من الحملات المستمرة مثل حملة: “الشريعة، التهديد الجهادي لأمريكا.
ويرأس المنظمة، فرانك جافني، وهو أيضًا مؤسسها. كانت مجلة صالون قد وصفته سابقًا بأنّه واحد من أشد منتقدي المسلمين الأميركيين في واشنطن. وكما هو معروف، فإن جافني لديه علاقات متوترة مع بعض العاملين في الإدارة الأمريكية، مثل تشارلز فيربانكس، النائب السابق لمساعد وزير الخارجية، ومارغريت غراهام، المستشارة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
إلّا إنه على الرغم من الجدل الناجم عن ذلك الكشف الذي تمّ إعلانه مؤخرًا، سجلت الأسهم في شركة لوكهيد مارتن ارتفاعًا كبيرًا يوم الثلاثاء الماضي، قبل يوم واحد من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية رسميًّا مشاركة الشركة في صفقة الأسلحة البالغة 1.75 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه، بلغت أسعار الأسهم في شركة رايثيون مستويات قياسية يوم 19 سبتمبر الماضي، بينما واصلت القوات الأمريكية قصف مواقع في العراق وقررت توسيع نطاق الحملة لسوريا يوم 23 سبتمبر.
في أول ليلة من تلك الغارات على سوريا، أطلقت القوات الأمريكية 47 صاروخ توماهوك حصلت عليهم من شركة رايثيون، ووفقًا للقيادة المركزية الأمريكية، فقد بلغت تكلفة الصاروخ الواحد 1.59 مليون دولار.
مبادرات تجار السلاح في الشرق الأوسط
كانت الإيرادات في أربع شركات أسلحة أمريكية رائدة، مثل لوكهيد مارتن ورايثيون وجنرال دايناميكس وفولز تشيرشن قد انخفضت بنحو 4 في المئة عن مستويات عام 2011. ومع ذلك، ذكرت وكالة أنباء بلومبرج الأسبوع الماضي، أنّ المبيعات خارج الولايات المتحدة للشركات الأربعة قد ارتفعت بنسبة 9 في المئة خلال تلك الفترة.
نيكولاس جلبي، مؤلف كتاب: “الخداع في أعلى الأماكن: تاريخ الرشوة في تجارة الأسلحة البريطانية” قال إنه كان هناك تقشف في الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة وأوروبا في السنوات الأخيرة، وهذا يعني أن شركات السلاح احتاجت للبحث عن أسواق جديدة.
وقال إننا كثيرًا ما نرى زيادة في مبيعات الأسلحة في أوقات التوتر السياسي، وإنّ هناك دلائل تشير إلى أنّ العديد من تلك المبيعات كانت للشرق الأوسط. كما إنّه يعتقد بأن صعود داعش، قد يدفع بعض دول الشرق الأوسط لشراء المزيد من المعدات من الموردين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وخصوصًا بعد أن استولت الجماعة المتطرفة على بعض الأسلحة الحديثة جدًّا من الجيش العراقي.
وأظهرت نتائج بحث أجراه معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم في مارس 2014 أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كانتا من بين خمس أكبر مستوردي الأسلحة في العالم في الفترة بين عامي 2012-2013.
وإن المبالغ الهائلة التي تنفقها المملكة العربية السعودية على الأسلحة قد استرعت اهتمام شركات الأسلحة بالمملكة المتحدة أيضًا. وفي تقريرها السنوي عام 2013، لاحظت بي أيه إي سيستمز أنه “في المملكة العربية السعودية، لا تزال التوترات الإقليمية تجعل عملية التسليح تمثل أولوية قصوى. حيث أنفقت المملكة العربية السعودية نحو 6 مليار دولار على شراء الأسلحة من المملكة المتحدة منذ عام 2008، مما يجعلها أكبر مشترٍ للأسلحة في المملكة المتحدة.
ويبدو الآن أنّ رايثيون من بين الشركات الأميركية، تتطلع إلى توسيع أعمالها مع القوة الإقليمية. وبعد يوم من إعلان المسؤولين الأمريكيين شراكة رايثيون في صفقة الأسلحة الجديدة التي يبلغ قيمتها 1.75 مليار دولار، أعلن أن الشركة سوف تشارك في رعاية ندوة الرادار، وهو مؤتمر الدفاع والأمن الدوليين، الذي سيعقد في المملكة العربية السعودية في أوائل ديسمبر القادم.
ومن المقرّر أن يقوم رئيس الأركان السعودي، عبد الرحمن صالح البنيان، بإلقاء الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، كما سيقوم مسؤول لم يذكر اسمه من وزارة الداخلية السعودية بالحديث حول أمن الحدود.
ووفقًا لموقع الحدث، فإن الندوة “تبدو أنها جاءت لتلبية الاحتياجات الدفاعية المتنامية في المملكة العربية السعودية”.
دوافع السعودية لقصف داعش
مشاركة المملكة العربية السعودية في تحاف مكافحة داعش، وهذا الاستثمار الواسع الجديد في الأسلحة الأمريكية، يمكن أن تثير دهشة الكثيرين. فعندما بدأت الولايات المتحدة في قصف مواقع لداعش في سوريا يوم 23 سبتمبر الماضي، ثارت مخاوف من أن تلك الحملة يمكن أن تساعد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، التي تقاتل المتمردين الممولين من السعودي منذ انتفاضة عام 2011 الانتفاضة.
كانت المملكة العربية السعودية قد عبرت منذ فترة طويلة عن معارضتها الشديدة لحكومة الأسد، وشاركت في تمويل جماعات المتمردين طوال فترة الصراع. كما كانت هناك مزاعم طويلة الأمد بأن المملكة العربية السعودية كانت مسؤولة عن تمويل جماعات متطرفة في سوريا، أو على الأقل لم تفعل ما يكفي لمنع مواطنيها من ضخ الأموال لتلك الجماعات.
الصحفي والخبير في شؤون الشرق الأوسط، باتريك كوكبرن، أبرزَ دور التمويل السعودي الرسمي في النضال ضد الأسد في سوريا، وخاصة منذ صيف عام 2013، عندما “سبقت المملكة العربية السعودية قطر كممول رئيس للمتمردين السوريين”.
بينما يرى ستيفان لاكروا، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في معهد العلوم السياسية في باريس، أن هناك تمويلًا خاصًا قادمًا من المملكة العربية السعودية، لصالح جبهة النصرة وداعش.
وقد أشار العديد من المحللين إلى هذا التناقض الواضح مع انضمام المملكة العربية السعودية في الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد جماعات مثل داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام.
ووفقًا لاكروا، فإن قرار الانضمام إلى الحملة التي تقودها الولايات المتحدة هو محير بشكل خاص، حيث دعم التمويل السعودي تحالف الجبهة الإسلامية، التي تضم في عضويتها جماعة أحرار الشام، منذ أواخر عام 2013.
وأوضح لاكروا أن الخوف هو السبب الأكبر وراء التحول الظاهر في السياسة السعودية تجاه داعش وجماعات المتمردين الإسلاميين التي تقاتل قوات الأسد في سوريا.
وأشار أيضًا إلى أن خطاب داعش يمكنه أن يجتذب دعمًا كبيرًا داخل حدود المملكة العربية السعودية. حيث ادعت بعض استطلاعات الرأي التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أن 92 في المئة من السعوديين يعتقدون بأن داعش تتوافق مع قيم الإسلام والشريعة.
وفسر لاكروا السبب في أن الأيديولوجية التي يعتنقها أنصار داعش قد تكون جذابة للبعض داخل المملكة العربية السعودية، بأن هناك عناصر معينة في خطاب داعش تتفق بوضوح مع النظرة السعودية.
مثل العنصر الطائفي، على سبيل المثال، حيث وجد الحديث المستمر عن التهديد الشيعي صدى لدى النظرة التي يتبناها كثير من السعوديين. كما يتسع ذلك الخطاب الطائفي ليشمل مكافحة الصوفية والدعوة لنقاء العقيدة الإسلامية، وهي أمور مشتركة مع الخطاب السعودي. لذلك، بطبيعة الحال، فمن المرجح أن يتفق بعض السعوديين مع بعض هذه العناصر.
إلا أن الخوف من انضمام السعوديين لداعش وحده، ليس هو السبب في مشاركة القيادة السعودية في الائتلاف، حيث يرى لاكروا أن القرار يعتبر جزءًا من تحول أوسع نطاقًا في الاستراتيجية الإقليمية السعودية.
وهو التحول الذي بدأ في عام 2003 عندما بدأت السلطات في تبني سياسة نشطة وخطرة للغاية لمحاربة الإسلاميين بأي طريقة ممكنة. وهو ما يفسر دعمهم للانقلاب في مصر في عام 2013، وما يفسر دعمها للتحالف ضد داعش.
وقال لاكروا: “أعتقد أن جزءًا من هذا الخطاب الجديد الذي تستخدمه الحكومة السعودية يتعمد الخلط بين جماعة الإخوان المسلمين وبين داعش، وتصوير جميع الجماعات الإسلامية كتهديد رئيس يجب مقاومته، ومن الملفت للنظر أننا نسمع الآن بالضبط نفس الخطاب في الرياض والقاهرة”.
المصدر: مركز الحرمين للإعلام الإسلامي
إضافة تعليق جديد