مع الأخذ بنظر الاعتبار آلاف السنین من العبادة، أفلا یستحق الشیطان المساعدة من الله؟
مع الأخذ بنظر الاعتبار آلاف السنین من العبادة، أفلا یستحق الشیطان المساعدة من الله؟
الجواب الإجمالي
الشیطان ینتمی إلى الجن حسب تصریح القرآن الکریم، و إن الجن مکلفون کما أن البشر مکلفون، و بحسب قول الإمام علی علیه السلام: "وَ کَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا یُدْرَى أَ مِنْ سِنِی الدُّنْیَا أَمْ مِنْ سِنِی الْآخِرَة" و إن کل یوم منها یعادل آلاف السنین. و إن من أکبر وعظم الألطاف و العنایة بالنسبة لإبلیس هی أولاً: أنه وفق لعبادة الحق تعالى، و ثانیاً: بسبب کثرة عبادته اعتبر و نسب إلى زمرة الملائکة، و إن هذا من أفضل أنواع المساعدة و اللطف حیث وضع فی صف الملائکة، فعرف و أدرک طهارتهم وصفائهم. و من القوانین التی تحکم نظام الوجود أنه کلما کانت معرفة المکلف و علمه أکثر و درجته أرقى فإن عقابه و مجازاته فی حالة خطأه تکون أشد و أقسى.
و من هنا فبعد أن تمت الحجة على الشیطان، و من ثم استکباره فی قضیة آدم فإن خطاب المولى تعالى و کلامه فیما یخص الشیطان دلیل على شدة العقوبة و قساوتها بالنسبة إلى الشیطان، و کذلک سقوطه و انحطاطه.
الجواب التفصيلي
من خلال تتبع الآیات القرآنیة نظیر الآیة 50 من سورة الکهف و الآیة 31 من سورة الحجر یمکن التوصل إلى أن الشیطان ینتمی إلى الجن، و لکن لکثرة عبادته اعتبر من زمرة الملائکة، و إن قصة استکبار الشیطان و عناده التی تمثل الاختبار و الامتحان بالنسبة له ذکرت فی القرآن بحدود سبع مرات.
و فی هذه القصة الکثیر من الدروس و العبر. و تتألف هذه القصة من عدة أقسام و مکونات هی:
ـ الأمر بالسجود لآدم علیه السلام.
ـ خصوصیات آدم و ممیزاته التی من أجلها أمر الله إبلیس أن یسجد له.
ـ موقف إبلیس و إباؤه من السجود.
ـ جوابه الذی یتضمن علة استکباره و رفضه للسجود. حیث قال: {لَمْ أَکُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}.[1]
و یقول فی موضع آخر: {أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ}.[2]
و هذا درس کبیر، فالشیطان و مع کل هذه العبادة التی عبر عنها الإمام علی(ع) و ذکر" وَ کَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا یُدْرَى أَ مِنْ سِنِی الدُّنْیَا أَمْ مِنْ سِنِی الْآخِرَة"[3] و التی یعادل کل یوم منها آلاف السنین. مع کل هذا تکون عاقبته أن یطرد و یبعد بعد أن یمتحن و یخاطب بخطاب مذل و مهین حیث یقال له: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّکَ رَجِیمٌ}.[4] {وَ إِنَّ عَلَیْکَ اللَّعْنَةَ إِلَى یَوْمِ الدِّینِ}.[5]
و من هنا فلابد و أن نکون على حذر شدید ومراقبة مستمرة بالنسبة لأنفسنا و لا نتوهم إذا ما وفقنا فی زمن معین، و سرنا فی أیام معدودات على الصراط المستقیم أن الأمر قد انتهى، و أننا سوف نستمر على هذه الحالة فنطمئن و نغفل و نترک الحذر. فالعالم هو ساحة التغیرات و التقلبات، و ما دام الإنسان حیاً فاحتمال سقوطه و انقلابه محتملاً فی أی یوم من أیام حیاته و تحت وطأة أی ظرف یمر به، و لذلک فلا بد من الدوام و الاستمرار فی طلب عاقبة الخیر من الله سبحانه.
و القسم الثانی: هو ردة فعل الشیطان بعد أن طرد و أُبعد و انحط من تلک المرتبة العالیة بسبب عدم قبوله السجود لآدم حینما أمره الله بذلک، فإنه أضمر عداوةً شدیدة لآدم حیث قال: {أَرَأَیْتَکَ هَذَا الَّذِی کَرَّمْتَ عَلَیَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَةِ لأَحْتَنِکَنَّ ذُرِّیَّتَهُ إِلاَّ قَلِیلاً}.[6]
و أما فی سورة ص الآیة 82 فقد جاء خطابه على النحو التالی: {قَالَ فَبِعِزَّتِکَ لأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ}.[7]
و على أساس البیان السابق اتضح ما یلی:
أولاً: إن الشیطان ینتمی إلى طائفة الجن، و إن الجن مکلفون کما هو الحال بالنسبة إلى البشر {وَ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِیسَ کَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ أَوْلِیَاءَ مِنْ دُونِی وَ هُمْ لَکُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِینَ بَدَلاً}[8] {وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ}[9].
فالجن و بضمنهم الشیطان هی موجودات مختارة و ذات إرادة و إنها تقف على مفترق طریقین لتختار أحد هذین الطریقین، فإذا اختارت طریق الحق، یکون الثواب و الخیر من نصیبها، و إذا اختارت طریق الباطل فالعقاب فی انتظارها. فالآیة 56 من سورة الذاریات، التی مر ذکرها تدل على أن الجن و الأنس یشترکون فی أمر العبادة، و ینقل القرآن الکریم قول الجن أنفسهم و اعترافهم بأنهم على قسمین. فمنهم الصالحون ومنهم الطالحون، و ذلک فی قوله تعالى: {وَ أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَ مِنَّا دُونَ ذَلِکَ کُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً}.[10]
ثانیاً: إن أعظم لطف و عنایة بالنسبة لإبلیس أنه وفق لعبادة الحق فی المرتبة الأولى، و فی المرتبة الثانیة اعتبر من صف الملائکة بسبب کثرة عبادته و طول مدتها، و قد کان قربه من ساحة الملائکة بدرجة کبیرة إلى الحد الذی جعل القرآن إبلیس مستثنى و الملائکة مستثنى منه، فی قضیة السجود لآدم حینما امتنع الشیطان عن ذلک، فی قوله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِیسَ أَبَى أَنْ یَکُونَ مَعَ السَّاجِدِینَ}.[11]
و إن أعظم مساعدة و لطف و عنایة بإبلیس هو جعله إلى جانب صف الملائکة، حیث أدرک و عرف مدى طهارة و صفاء و إخلاص هذا النوع من المخلوقات.
و لکن أحد أنظمة عالم الوجود و قوانینه أنه کلما کانت معرفة المکلف أکبر و درجته أکثر رقیاً و مرتبته أعلى، کلما کانت عقوبته أشد و أکبر عندما یصدر الخطأ و یبتلى بالعصیان و الذنب.
و من هنا فبعد أن تمت الحجة على الشیطان (من خلال عبادته و تواجده فی صف الملائکة) کان خطاب الحق و عقوبته له شدیدة و قاسیة، حینما اختار العصیان و التمرد و ذلک برفضه الانصیاع لأمر الله بالسجود لآدم علیه السلام.
[1]. الحجر، 33.
[2]. الأعراف، 12.
[3]. نهج البلاغة، تصحیح صبحی الصالح، الخطبة القاصعة، ص 287.
[4]. الحجر، 34.
[5] الحجر: 35.
[6]. الإسراء، 62.
[7]. مصباح الیزدی، محمد تقی، معارف قرآن" معارف القرآن"، القسم الثانی، ص299، مؤسسة فی طریق الحق.
[8]. الکهف، 50.
[9]. الذاریات، 56.
[10]. الجن، 11.
[11]. الحجر، 31
islamquest.net
إضافة تعليق جديد