لماذا كل هذا الحزن على الأمام الخوئي

 لماذا كل هذا الحزن على الأمام الخوئي

 لماذا كل هذا الحزن على الأمام الخوئيءاللهءمحمدءعلیءاسلامءدینءTVshiaءشیعهءمنجیءقرآنءخداء

لا شك أن للأخلاق الفاضلة أهمية كبيرة في حياة الإنسان، سواء بالنسبة له، أو بالنسبة إلى المجتمع الذي يعيش فيه، والأخلاق حاجة ضرورية لا تقل مرتبة عن حاجة الإنسان إلى المأكل والمشرب، فهي التي تصنع الحياة السعيدة في الدنيا، وينال الإنسان بسببها الأجر العظيم في الآخرة، وبدون مكارم الأخلاق يصبح الإنسان عديم الخير والفائدة وكثير الشر والضرر.
وبهذه الميزة والفضيلة أمتاز خاتم الأنبياء بشهادة الله سبحانه وتعالى بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، وهي الصفة التي أهلته لحمل الرسالة السماوية، فما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) شاهد كبير على أهمية الأخلاق كضرورة من ضرورات الحياة التي يتم عبرها ومن خلالها تنفيذ أضخم المشاريع كما هو الحال في نشر الرسالة السماوية، وبناء أسس دولة قائمة على نظام العدل الإلهي.
كيف نؤرخ للأمام الخوئي؟ هل نصفه بيوم فاجعة الرحيل؛ أم ترانا نكون أكثر اعتقادا فنصفه بيوم التحرر والانعتاق؟!
لقد مضىت السنون على ذلك اليوم الذي أبكى العالم الشيعي وأحدث فجوة وفراغا لم يتجرأ أحد بأن يدعي إمكان سدهما وملئهما. وقد أرّخوه بأنه يوم رحيل الإمام المجدد الخوئي.. يوم الخسارة العظمى والفاجعة الكبرى بفقد عملاق عصره وأعجوبة زمانه، ذلك الفقيه الرباني الزاهد المعطاء المتفاني في الله وأوليائه عليهم الصلاة والسلام.
بيد أننا إذا أردنا أن نكون أكثر اعتقادا وأعمق وعيا واستيعابا لمعادلتي: الدنيا والآخرة؛ والروح والجسد، فيتوجب علينا أن نعبّر عن ذلك اليوم بأنه يوم تحرر إمام المظلومين وانعتاقه وخلاصه من السجن الذي كان يعيش فيه! بل إنه - وبكل ثقة نقول - يوم الميلاد الحقيقي للإمام المجدد الخوئي!
كلنا عرف عن مرجع الأمة الخوئي أنه البحر الروحي الذي لا حدود لتطلعاته وآماله، وقد كان تنفيذ تلك التطلعات مقيّدا بأغلال ودّ الإمام الراحل لو يتمكن من الخلاص منها في أسرع وقت. إنها أغلال عالم المادة الضيّق، ذلك الجسد المحدود، وهذه الدنيا السجن لكل مؤمن كما عبّر إمامنا المجتبى صلوات الله عليه.
كان الإمام المظلوم الراحل يتوق إلى أن يخرج من ذلك السجن إلى آفاق رحبة أكبر، كان يتمنى لو يستطيع أن يتخلص من هذا الثقل البدني الذي حجّم طاقة روحه القدسية الهائلة. وجاء يوم الرحيل، ليقدّم إلى الخوئي العظيم تلك الفرصة المنتظرة، فتحرر الإمام من سجنه، وارتفع وعلا، إلى عالم الروح والملكوت.. إلى عالم تختلف موازينه وقوانينه عن عالمنا الدنيوي الصغير السخيف البائس!
هناك.. في ذلك العالم الذي يعيش فيه الإمام الخوئي الآن، ليس هنالك حواجز أو قيود أو حدود كالتي كانت تعيق تحركه في الدنيا، وليس هنالك إرهاب أو تنكيل أو تهديد أو "إقامة جبرية" كالتي كان يعاني منها في هذا العالم. الآن.. انتصر الإمام الخوئي على سجّانيه ومناوئيه، فلم يعد يعاني من أحقاد الحاقدين، ولا من حسد الحاسدين، ولا من نميمة النمامين!
يحيا الإمام الخوئي الآن في فضاء قدسي لا يرى فيه إلا جده رسول الله وأبيه أمير المؤمنين وأمه فاطمة الزهراء والطيبين الطاهرين من آلهم أشرف خلق الله أجمعين عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام. وهو إذ ذاك تخلّص من كل الذين آذوه واعترضوا طريقه، والأهم أن طاقته الروحية قد انفكت عن القيود المادية الفيزيائية التي كانت تمنع تدفقها بالحجم الذي كان يتمناه.
ونتيجة لذلك؛ فإنه ليس بمستغرب أن يكون الإمام الخوئي الآن مستبشرا مرتاحا راضيا مرضيا يمتلئ قوة وحيوية روحية جبارة في الوقت الذي يبكي على فقده الآخرون! وليس بمستغرب أن يظهر في منام تلك المؤمنة الصالحة التي لم تتوقف دموعها عن الهدير ليلتها ليقول لها: "لماذا تبكون علي؟ لقد كنت في الدنيا مقيدا سجينا.. وأصبحت الآن حرا طليقا"!
بالطبع يحق لنا أن نبكيه ونرثيه؛ ولكن.. "أن نبكي على أنفسنا أجدى من أن نبكي عليه، وأن نرثي حالنا أولى من أن نرثيه، فهو الحي.. ونحن الأموات"!
هل نظن أن إمام المظلومين الذي كان "كالبركان في نشاطه.. بل إن البركان ليتصاغر أمام عظمة نشاطه" يسمح لنفسه اليوم؛ وفي ذلك العالم الحر اللامحدود الذي كان ينتظر أن يلج فيه بفارغ الصبر؛ أن يخمد ويسكن ويهدأ ويتوقف عن العمل الجبّار الذي كان يقوم به؟! كلا.. لم يكن هذا من ديدن الخوئي المقدس الذي كان يعتبر في قرارة نفسه أن تضييع أقل فرصة يمكن استثمارها في سبيل الله هو ضرب من ضروب الكفر!
ولذا فمازال الإمام الخوئي مستمرا في رسالته وأعماله وجهوده إلى الحين الذي تتحقق فيه أمنيته الكبرى: قيام دولة القائم من آل محمد (صلوات الله عليهم) على الأرض..
هو مستمر بروحه.. روح المجدد؛ التي مازالت تعمل من موقعها العلوي المشرف على كل ما دونه. إنه يشعر بآلام المجاهدين الذين تركهم بعده، والذين يشعرون بحضور روحه بينهم تسديدا وتوجيها، فلا يتوانى عن التشفع لهم عند الله تعالى وعند أوليائه الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
هو حاضر بيننا لأنه مجدد الروح، الذي زرع بذور الإيمان والإخلاص والتفاني في نفوس كل من عرفوه وقلّدوه واتبعوه، فأعادهم إلى ربوع التقوى والولاء المطلق لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام. فكلنا.. حتى الذين لم يتمكنوا من اللقاء به؛ أو الذين كانوا على بعد مسافة عنه؛ يدينون له بالفضل، لأنه أحياهم من جديد في نفسياتهم وروحياتهم.
وهل لأحد اليوم أن لا يقر بفضل هذا الفقيه الرباني (قدس الله نفسه الزكية) في إحداث صحوة دينية شيعية رسمت معالم تاريخ إمامي وضّاء جديد، كان هو نقطة انطلاقه من النجف الأشرف، ومازالت إشعاعاته مستمرة وستستمر بفضل الله بألوف الفقهاء والمجتهدين والعلماء والخطباء والمفكرين والمجاهدين والتربويين والناشطين الذين ملئوا الدنيا بإنجازاتهم، وسيحققون - مع وجود روحه بينهم - آمالهم بإذن الله تعالى وعونه.
الإمام المجدد اليوم، مازال يعمل من موقعه في العالم الذي يعلونا، وهو يتابع ويراقب ما يحصل في عالمنا، ويطلب ويتوسل من أجلنا، وينتظر منا أن نكمل المسيرة التي أرسى خطواتها بكفاحه وجهاده وعطائه اللامتناهي. إن روحه تظل تشملنا بالرعاية الأبوية كما كان في دنيانا، وهو اليوم فرح أشد الفرح لأن أحدا لا يستطيع منعه من التجوّل في أرجاء العالم، فيمدنا ببركته، ويقينا بحمايته، ويشفع لنا بمقامه. ولعل ذلك هو السر في ما نلمسه الآن بعد رحيله من تزايد النشاطات الدينية ودوران عجلتها بسرعة أعلى، حتى في محيط البيت المرجعي وعلى صعيد التقليد المتزايد والمتوسع يوما بعد يوم.. ذلك لأن ثمة شفيعا لنا قد كسبناه عندهم عليهم السلام، في ذلك العالم العلوي!
وبقي علينا أن نعمل اليوم كما كان يرجو منا، وأن نحقق رسالته العظيمة، وأن نعجّل ونمهد في ظهور مولانا صاحب العصر أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.
هنيئا لك يا ابتاه.. وهنيئا لنا بك؛ أيا استاذ الفقهاء.. ومنار العلماء!
---------------------
المصدر: کتابات

shafaqna.com

إضافة تعليق جديد