احتجاج الإمام علي عليه السلام بحديث الغدير
((بيعة الغدير)) | |
احتجاج الإمام علي عليه السلام بحديث الغدير على أحقية خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله الشبهة الأولى:إنّ علي بن أبي طالب لم يستدل أبداً بحديث الغدير على خلافته ، وهذا ما يدل على أنّ هذا الحديث لم يكن نصّاً على خلافته ، لأنّه لو كان نصّاً لادعاه علي بن أبي طالب ، ودعوى ادعائها باطلة بالضرورة 1. الشبهة الثانية:إنّ علي بن أبي طالب لم يحتج بحديث الغدير على خلافته إلاّ بعد أن آلت إليه الخلافة ، فسكوته عن الاحتجاج بذلك ، يدل بوضوح على أنّ هذا الحديث لم يكن نصّاً على خلافته بلا فصل بعد وفاة النبي 2. رد الشبهتين الموقف الأوّل:احتجاج الإمام علي عليه السلام بحديث الغدير أيّام خلافة أبي بكر ، ومن المصادر الدالّة على هذا الاحتجاج: 1ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي المتوفّى في القرن الأوّل ، وقد ورد فيه ما نصّه: إقامة الحجّة على أبي بكر في ما ادعاه من ألقاب: قال: اذهب فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر ، فأتاه ، فأخبره بما قال. فقال له علي عليه السلام:"سبحان الله ، ما والله طال العهد فينسى ، فو الله إنّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلاّ لي ، وقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة ، فسلّموا عليّ بإمرة المؤمنين ، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة ، فقالا: أحق من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم ، حقّاً حقّاً من الله ورسوله إنّه أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وصاحب لواء الغر المحجلين..." 3. 2ـ الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي ( المتوفّى 560 هـ ) ، وقد ورد فيه ما نصّه: عن أبي المفضّل محمّد بن عبد الله الشيباني ، بإسناده الصحيح عن رجال ثقة... قالوا:بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس ، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنّكم بالسيف. 3ـ إرشاد القلوب ، الديلمي من أعلام القرن الثامن ، وقد ورد فيه ما نصّه: فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:"يا أبا بكر هل تعلم أحد أوثق من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن ، وعلى جماعة منكم ـ فيهم عمر وعثمان ـ في يوم الدار ، وبيعة الرضوان تحت الشجرة ، ويوم جلوسه في بيت أم سلمة ، ويوم الغدير بعد رجوعه من حجّة الوداع ، فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا لله ولرسوله..."5. 4ـ الخصال ، الشيخ الصدوق المتوفّى 381 هـ ، ورد فيه ما نصّه: عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام ، قال:"لمّا كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له ،... فقال علي عليه السلام:أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ ؟... 5ـ الكافي ، الشيخ الكليني المتوفّى 329 هـ ، ورد فيه ما نصّه: عن جابر بن يزيد قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقلت: يا ابن رسول الله... قال:"يا جابر...اسمع وع وبلّغ حيث انتهت بك راحلتك ، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام خطب الناس بالمدينة ، بعد سبعة أيّام من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه ، فقال:الحمد لله... فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حجّة الوداع ، ثمّ صار إلى غدير خم ، فأمر فأصلح له شبه المنبر ، ثمّ علاه وأخذ بعضدي ، حتّى رئي بياض إبطيه ، رافعاً صوته قائلاً: من كنت مولاه فعلي مولاه... فكانت ولايتي كمال الدين ، ورضا الرب جل ذكره..."7. ولو أنّ أهل السنّة أبو عن قبول هذه الروايات فإنّا نورد استدلال أمير المؤمنين عليه السلام بالنص على إمامته في أيّام أبي بكر من رواياتهم: فقد روى أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الحنبلي في أربعينه ، عن أستاذه عمر بن الحسن المعروف بابن دحية ، ما نصّه: فلمّا حضر قال لي:يا أنس أبسط البساط ، فبسطته ، فأمر الصحابة أن يجلسوا عليه ، فلمّا جلسوا رفع البساط ، وسار في الهواء إلى الظهر ، فوقف البساط ، ثمّ قمنا نمشي على الأرض حتّى شاهدنا الكهف ،... فتقدّم أمير المؤمنين وقال:السلام عليكم ، فردّوا عليه السلام ، وتقدّم القوم وسلّموا ، فلم يردّوا عليهم السلام ،...وسار بنا البساط إلى العصر ، وإذا نحن على باب المسجد ، فلمّا رآنا قال: تحدّثوني أو أحدّثكم ؟ وجعل يحدّثنا كأنّه كان معنا ، فقال له علي:لم ردّوا عليّ السلام ، ولم يردّوا على أصحابي ؟ فقال:ا"نّهم لا يردّون السلام إلاّ على نبي أو وصي نبي ، ثمّ قال: اشهد لعلي يا أنس ". الموقف الثاني: احتجاج الإمام علي عليه السلام بحديث الغدير يوم الشورى ، ومن المصادر الدالّة على هذا الاحتجاج: المصادر السنّية: 2ـ المناقب ، الخوارزمي الحنفي المتوفّى 568 هـ ، وقد ورد فيه ما نصّه: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال: كنت على الباب يوم الشورى مع علي عليه السلام ، وسمعته يقول لهم:"... فأنشدكم الله: هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فعلي مولاه..."10. 3ـ الدر النظيم ، أبو حاتم الشامي ، وقد ورد فيه ما نصّه: عن عامر بن واثلة ، قال:كنت على الباب يوم الشورى وعلي في البيت ، فسمعته يقول:"... أنشدكم بالله أمنكم من نصّبه رسول الله يوم غدير خم للولاية غيري ؟..."12. 4ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد المتوفّى 656 هـ ، وقد ورد فيه ما نصّه: ونحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى... ولكنّه قال لهم:"... أفيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: من كنت مولاه فهذا مولاه ، غيري ؟ "13. المصادر الشيعية: عن عامر بن واثلة ،قال:كنت على الباب يوم الشورى ، فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت علياً عليه السلام يقول:"... فأناشدكم بالله الذي لا إله إلاّ هو أيها النفر الخمسة ،هل فيكم أحد أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع ، عندما أحتج إليه عامّة الأمّة ؟ ". الموقف الثالث:احتجاج الإمام علي عليه السلام بحديث الغدير أيّام خلافة عثمان ، ومن المصادر الدالّة على هذا الاحتجاج: المصادر السنّية: فرائد السمطين ، الحمّوئي: 1 / 312 ح 250. المصادر الشيعية: كتاب سليم بن قيس الهلالي المتوفّى في القرن الأوّل ، وقد ورد فيه ما نصّه: أبان عن سليم قال: رأيت علياً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في خلافة عثمان... قال:أفتقرّون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله دعاني يوم غدير خم ، فنادى لي بالولاية ، ثمّ قال: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، قالوا: اللهم نعم...15. الموقف الرابع: احتجاج الإمام علي عليه السلام بحديث الغدير أيّام خلافته عليه السلام ومن المصادر الدالّة على هذا الاحتجاج: المصادر السنّية: إنّ من المصادر السنّية التي أشارت إلى احتجاجه عليه السلام بحديث الغدير في الرحبة: مسند أحمد ( المتوفّى 241 هـ ) ، وقد ورد فيه ما نصّه: عن زاذان بن عمر ، قال: سمعت علياً في الرحبة ، وهو ينشد الناس:"من شهد رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم وهو يقول ما قام ". إنّ من المصادر السنّية التي أشارت إلى احتجاجه عليه السلام بحديث الغدير في مسجد الكوفة: السنن الكبرى ، النسائي المتوفّى 303 هـ ، وقد ورد فيه ما نصّه: عن زيد بن يثيع ، قال:سمعت علي بن أبي طالب ، يقول على منبر الكوفة:"إنّي منشد الله رجلاً ، ولا أنشد إلاّ أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله: من سمع رسول الله يقول يوم غدير خم: "من كنت مولاه فعلي مولاه... ؟ " 17. إنّ من المصادر السنّية التي أشارت إلى احتجاجه عليه السلام بحديث الغدير في واقعة الجمل: المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري المتوفّى 405 هـ ، وقد ورد فيه ما نصّه: حدّثنا رفاعة بن أياس الضبّي عن أبيه عن جدّه ، قال: كنا مع علي يوم الجمل ، فبعث إلى طلحة بن عبيد الله:أن القنا ، فأتاه طلحة ، فقال:"نشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه..."18. المصادر الشيعية: إنّ من المصادر الشيعية التي أشارت إلى احتجاجه عليه السلام بحديث الغدير في واقعة الجمل: الخصال ، الشيخ الصدوق ( المتوفّى 381 هـ ) ، وقد ورد فيه ما نصّه: عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال: خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال:"... يا أنس إن كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه ، ثمّ لم تشهد لي اليوم بالولاية..." 19. إنّ من المصادر الشيعية التي أشارت إلى احتجاجه عليه السلام بحديث الغدير في الرحبة: مناقب أمير المؤمنين ، محمّد بن سليمان الكوفي ( كان حيّاً 300 هـ ) ، وقد ورد فيه ما نصّه: عن زيد بن يثيع وسعيد بن وهب وعمرو ذي مر وحبة قالوا: نشد علي في الرحبة:"أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم ، ما قال إلاّ قام يشهد ". فقام اثنا عشر ، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي يوم غدير خم:"من كنت مولاه فعلي مولاه..."20. النتيجة: إنّ المصادر التي ذكرناها في هذا المقام ، ولاسيّما المصادر السنّية التي بيّنت احتجاج الإمام علي عليه السلام بحديث الغدير في يوم الشورى ، وأيّام وقوع الخلافة بيد عثمان ، وبعد أن آلت الخلافة إليه عليه السلام ، تثبت بوضوح أنّ الإمام علي عليه السلام بخلاف ما ورد في الشبهة الأولى استدل بحديث الغدير على خلافته. كما أنّ تعدّد مواقف استدلال الإمام بهذا الحديث قبل أن آلت إليه الخلافة تثبت بطلان الشبهة الثانية التي أوردناها في بداية البحث ، والتي جاء فيها بأنّ الإمام علي عليه السلام لم يحتج بحديث الغدير إلاّ بعد أن آلت إليه الخلافة. ولو سلّمنا بأنّ الإمام علي عليه السلام لم يحتج بحديث الغدير على أحقية خلافته إلاّ بعد أن آلت إليه الخلافة ، فإنّ هذا الاحتجاج يثبت لوحده أحقية خلافته من دون فصل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، لأنّ هذا الحديث لا يمكنه الإشارة إلى خلافة الإمام علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله حتّى تنتهي خلافة الثلاثة. وقد أجاد العلاّمة الشيخ حسن المظفر في الرد على هذه الشبهة قائلاً: كيف يترك النبي صلى الله عليه وآله ـ في حال نصب إمام للمسلمين لحضور أجله ـ ذكر ثلاثة وينص على من بعدهم ، الذي يكون إماماً بعد خمس وعشرين سنة من وفاته ؟! 1-رسالة في الرد على الرافضة: 7. |
إضافة تعليق جديد