الإمام علي عليه السلام على فراش الموت

بعد أن ضُرب أمير المؤمنين عليه السلام قال: احملوني إلى موضع مصلّاي في منزلي. يقول محمّد بن الحنفيّة: فحملناه إليه وهو مدنف والناس حوله، وهم في أمر عظيم باكين محزونين، قد أشرفوا على الهلاك من شدّة البكاء والنحيب، ثمّ التفت إليه الحسين عليه السلام وهو يبكي، فقال له: يا أبتاه من لنا بعدك؟ لا يوم كيومك إلّا يوم رسول الله صلّى الله عليه وآله، من أجلك تعلَّمت البكاء، يعزّ والله عليَّ أن أراك هكذا، فناداه عليه السلام فقال: يا حسين يا أبا عبد الله ادن منّي، فدنا منه وقد قُرِحت أجفان عينيه من البكاء، فمسح الدموع من عينيه ووضع يده على قلبه، وقال له: "يا بنيّ ربط الله قلبك بالصبر، وأجزل لك ولإخوتك عظيم الأجر، فسكِّن روعتك واهدأ من بكائك، فإنّ الله قد آجرك على عظيم مصابك"، ثمّ أُدخل عليه السلام إلى حجرته...

وأقبلت زينب وأمّ كلثوم حتى جلستا معه على فراشه، وأقبلتا تندبانه وتقولان: يا أبتاه من للصغير حتى يكبر؟ ومن للكبير بين الملأ؟ يا أبتاه حزننا عليك طويل، وعبرتنا لا ترقأ،... فضجّ الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحيب، وفاضت دموع أمير المؤمنين عليه السلام عند ذلك، وجعل يقلِّب طرفه وينظر إلى أهل بيته وأولاده، ثمّ دعا الحسن والحسين عليهما السلام وجعل يحضنهما و يقبلهما، ثمّ أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق.....

وقعدت لبابة عند رأسه، وجلست أمّ كلثوم عند رجليه، ففتح عينيه فنظر إليهما، فقال: الرفيق الأعلى خيرٌ مستقراً وأحسن مقيلاً، ضربةٌ بضربة، أو العفو إن كان ذلك.

ثمّ عرق ثمّ أفاق، فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمرني بالرَّواح إليه عشاءً ثلاث مرات1.

لمّا أفاق الإمام عليه السلام من غشيته ناوله الحسن عليه السلام قعباً من لبن، فشرب منه قليلاً ثمّ نحّاه عن فيه، وقال: احملوه إلى أسيركم، ثمّ قال للحسن عليه السلام: بحقي عليك يا بنيّ إلّا ما طيبتم مطعمه ومشربه، وارفقوا به إلى حين موتي، وتطعمه ممّا تأكل وتسقيه ممّا تشرب حتى تكون أكرم منه، فعند ذلك حملوا إليه اللبن وأخبروه بما قال أمير المؤمنين عليه السلام في حقّه، فأخذه اللعين وشربه.

وكان اللعين قد جيء به مكتوفاً... فقالت له أمّ كلثوم وهي تبكي: يا ويلك، أمّا أبي فإنّه لا بأس عليه، وإنّ الله مخزيك في الدنيا والآخرة، وإنّ مصيرك إلى النار خالداً فيها، فقال لها ابن ملجم لعنه الله: ابكي إن كنت باكية فوالله لقد اشتريت سيفي هذا بألف وسممته بألف، ولو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة ما نجا منهم أحد2!.

جُمع لأمير المؤمنين عليه السلام أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني، ولمّا نظر إلى جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا بِرِئة شاة حارّة واستخرج عرقاً منها، فأدخله في الجرح ثمّ استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ، فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك فإنّ عدّو الله قد وصلت ضربته إلى أمِّ رأسك3.

قال محمّد بن الحنفيّة: بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي، وقد نزل السمّ إلى قدميه، وكان يصلّي تلك الليلة من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصايا يعزّينا عن نفسه، ويخبرنا بأمره إلى حين طلوع الفجر4.

* راجع: شهيد المحراب-مقتل أمير المؤمنين ع، معهد سيد الشهداء ع للمنبر الحسيني، ط1، ص 28-31.

1- الطوسي: الأمالي، ص365.
2- المجلسي: بحار الأنوار، ج412، ص288-289.
3- الأصفهاني أبو الفرج: مقاتل الطالبيين، ص23.
4- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص290.

 

المصدر: شبكة المعارف الاسلامية

إضافة تعليق جديد