ادعوه بأسمائه الحسنى...
السيد علي مرتضى*
إن لشهر رمضان المبارك هالةً معنويةً جميلةً تحيط به من كل جوانبه، وتشعر القلوب المؤمنة أنها تتهيّأ لاستقبال هذا الشهر المبارك، منذ حلول شهر رجب الأصبّ، فشهر شعبان، وهما في الحقيقة مقدّمتان مهمّتان لدخول شهر رمضان المبارك. وكما يشعر المؤمن بالأنس المعنوي الشديد بهذا الشهر العظيم، يشعر بلوعةٍ ومرارةٍ لفقده، لا سيما من يدرك أهميته وعظمته وخيراته وبركاته.
*شهر الأُنس بالعبادة
ولهذا الشهر أجواء متعدّدة، فهو شهر القرآن والأنس بقراءته، والأنس بالدعاء فيه، وهو شهر استجابة الدعاء، والأنس بأعمال الخير ومجالس الأهل والأقارب والأنس ببعض السّهرات الرمضانية، وبالسحور، فنلاحظ أن لكل واحد عالمه الخاص في شهر رمضان يشتاق إليه، ويحنّ إليه. والشهر يلبّي حاجات الجميع على قدر مستوياتهم وتوقّعاتهم وسعيهم فيه.
أمّا الأنس الخاص بليالي شهر رمضان فهو ببعض الأدعية الخاصة في هذا الشهر، كدعاء الافتتاح، ودعاء البهاء ودعاء الجوشن، لا سيما في ليالي القدر العظيمة، التي يستعد لها المؤمن للاستفادة منها. ونحن بصدد التعرض لإطلالة على دعاء الجوشن الكبير، لعلها تفيدنا ويكون لها الأثر أثناء قراءتنا للدعاء.
* معنى الجوشن
الجوشن: هو الدرع. وقيل: من السلاح يُلبس في الصدر. وفي تسمية الدعاء بالجوشن ما ورد عن الإمام السجّاد زين العابدين عن أبيه عليهما السلام عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: نزل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وآله في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل آلمه ثقله فقال: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء فهو أمان لك ولأمّتك.
قال العلامة المجلسي رحمه الله: "دعاء الجوشن الكبير وهو مروي عن النّبي صلى الله عليه وآله، رواه جماعة من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم)"، وقال أيضاً: "وهو مائة فصل، كل فصل عشرة أسماء، إلا فقرة 55 فإن فيها 11 اسماً، وتُبسمل في أول كل فصل منها وتقول في آخره: سبحانك يا لا إله إلا أنت، الغوث الغوث، صل على محمد وآل محمد، وخلّصنا من النار يا رب، يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين"1. لكن المشهور في كتب الأدعية أن فقرة آخر كل فصل هي: "سبحانك، يا لا إله إلا أنت، الغوث الغوث، خلصنا من النار يا ربّ".
*النداء بـ"اللهم.. ويا.."
إن البارز في هذا الدعاء هو نداء العبد مولاه، فهو في كل فقرة يبدأ بنداء إمّا "اللهمّ" أو بحرف النداء "يا"2. وكلمة "اللهمّ" تعني يا الله، والنداء للبعيد، فيتصوّر الداعي نفسه على الحال المعنوية الدانية التي هو عليها، والداني عندما يريد أن يدعو العالي والبعيد لا بد أن يبدأ أيضاً النداء بـ"يا".
ثم يذكر الدعاء ألف اسم لله سبحانه وتعالى، وينادي العبد ربه بهذه الأسماء، بحيث لا يترك اسماً لله سبحانه وتعالى إلا ويُذكر في هذا الدعاء. وكل اسم ينادي به العبد ربّه هو عبارة عن تعلّق بهذا الاسم، وطلب من الله سبحانه بأن يفيض عليه من بركاته. فمثلاً، عندما ينادي "يا رحمان" فهو تعلّق باسم الرحمة، وعندما ينادي "يا غفار" فهو تعلق بالمغفرة وهكذا... وبذلك تحصل المناداة لله تعالى بألف اسم هو له، مع كمال التواضع والتذلّل له والاحترام والتقدير، وحاشا لله سبحانه أن ينادى هكذا ولا يجيب مناديه.
*الغوث الغوث
ولعل كلمة "الغوث الغوث"، بعد النداء، تعتبر أكثر كلمة تتردّد في الدعاء، وهي تعني: الغياث الغياث، الأمان الأمان، من عظائم الأهوال، ومن شدّة العذاب والنّكال والمهانة التي لازمتني أنا العبد جرّاء قبائح الأعمال، فالله سبحانه وإنْ كان أرحم الراحمين في موضع العفو والرّحمة، إلاّ أنّه أشدّ المعاقبين في موضع النّكال والنّقمة. وعندما يكون تركيز العبد في دعائه على فقرة "الغوث الغوث"، حيث تذكر مائة مرة بعد كل فقرة من فقرات الدعاء، فإنّ على العبد أن يؤمّل ويظن بالله خيراً، فالله تعالى عند حسن ظنّ عبده به. ففي الحديث عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: "أَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللَّه فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ بِي إِنْ خَيْراً فَخَيْراً وإِنْ شَرّاً فَشَرّاً"3.
*خلصنا من النار يا ربّ
وهو الغاية من هذا الدعاء حيث تقول الآية القرآنية: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (آل عمران: 185)، فمن يطلب الفوز يطلب الغوث من النار، وأيّ نار هي؟ هي نار للعاصين المجرمين والكفّار المعاندين تحرق الأجساد وتطّلع على الأفئدة. ونار أخرى، هي نار الفراق والابتعاد عن أحبّاء الله وأوليائه كما في دعاء كميل: "فلئن صيّرتني في العقوبات مع أعدائك، وجمعتَ بيني وبين أهل بلائك، وفرّقتَ بيني وبين أحبائك وأوليائك، فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي صبرتُ على عذابك فكيف أصبر على فراقك..." وفي هذا التعبير إشارة إلى أن فراق أولياء الله حيث هم منتسبون إليه، فراقُه سبحانه. ولهذا من أحبّهم فقد أحب الله، ومن أبغضهم فقد أبغض الله. وذلك لأنّ من أحبّ شيئاً أحبّ آثاره، وقد قال الشاعر:
أمرُّ على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا
وقال صلى الله عليه وآله: "من رآني فقد رأى الحق"4. فمحبته عائدة إلى محبته سبحانه. ولهذا لا يظهر خلوص محبة أحد إلا بأن يحب أقاربه ومنسوبيه وخوادمه ومحبيه، قال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(الشورى: 23).
ونختم القول بضرورة الاهتمام بدعاء الجوشن، والتوجه فيه إلى الله بأسمائه الحسنى، والتأمل في كل اسم من أسمائه، وأننا عندما ننادي هذا الاسم فالله سبحانه وتعالى يلتفت إلينا بالجهة التي تختصّ بهذا الاسم، وبالتالي نكون في آخر الدعاء قد ناديناه بكل أسمائه الحسنى، وكل أسمائه حسنى، ولا نختم الدعاء إلا وكل ظنّنا بالله أن لا يردّنا خائبين ويختم لنا بالفوز بالجنّة والعتق من النار، إنه نعم المولى ونعم السميع.
* أستاذ الفلسفة الإسلامية في الحوزة العلمية.
1- بحار الأنوار، المجلسي، ج91 ص384.
2- تبدأ الفقرة الأولى بـ"اللهمّ"، ثم الفقرات الثلاث بعدها تبدأ بحرف النداء "يا"، وعلى هذا الترتيب تستمر كل فقرات الدعاء إلا في موردين اثنين تكون اللهم بعد 4 فقرات تبدأ بـ"يا".
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج2 ص72.
4- بحار الأنوار، م.س، ج58 ص235.
المصدر: مجلة بقية الله
إضافة تعليق جديد