دور المرأة في بناء المجتمع الإسلامي ......بحث للإمام السيد علي الخامنئي
دور المرأة في بناء المجتمع الإسلامي ......بحث للإمام السيد علي الخامنئي
في مرحله البناء في إيران الإسلامية كان كلٌّ من الشعب و الحكومة الإسلامية يحاولان تحقيق مسألة إعادة البناء مادياً و اجتماعياً و معنوياً إعادة حقيقة في هذا البلد الإسلامي ، و ذلك بالاتكاء و الاعتماد على الأيدي العاملة ؛ فإذا أرادت أي دولة أن تحقق مسألة إعادة البناء و إعمار البلاد بصورته الحقيقة و المؤثرة ، وجب أن يكون اهتماما الأول بالأيدي العاملة في تلك البلاد .
وعندما نشير إلى اليد العاملة يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار أن النساء يشكلن نصف عدد هذه الأيدي في البلاد ، لذا نقول : إذا كانت هناك نظرة خاطئة للمرأة في المجتمع ، فأنه لا يمكن تحقيق مسألة الاعمار و إعادة البناء الشامل .
يجب أن تتمتع النساء في بلادنا بالوعي الكامل و الالمام الشامل لنظرة الإسلام للمرأة و مكانتها فيه ؛ لتستطيع أن تدافع عن حقوقها بالاتكاء و الاعتماد على هذه النظرة السامية الرفيعة للمرأة .
يجب على كل أفراد المجتمع و على الرجال في البلاد الاسلامية ، أن يعلموا أن دور المرأة في نظر الإسلام هو عبارة عن وجودها في كل مجالات الحياة ، و تعلّمها و جدّها و سعيها في كل الجوانب الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و العلمية في المجتمع ، و يجب أيضاً أن يعلموا ما هو دور المرأة و واجبها في محيط الاسرة و خارجه ؟ .
إن للإسلام نظرة بيّنة و واضحة بالنسبة للمرأة ، و إذا أردنا أن نقارن هذه النظرة مع نظرة الثقافات الأخرى كالثقافة الغربية ، نجد أن النظرة الاسلامية لم تقطع اشواطاً كبيرة و متقدمة فقط ، بل إن لها تأريخاً قديماً يفوق ما هو عليه بالنسبة للرجل ، و هذه النظرة الاسلامية الصحيحة للمرأة هي بسبب نجاح و تقدم البلاد الاسلامية ، و ارتقاء مستوي النساء فيها .
أرجو من الأخوات العزيزات و خاصة جيل الشابات و صاحبات الهمم العظيمة و الأهداف السامية ، أن يصغين إلى ما اذكره من مختصر الكلام المطروح في هذا الوقت المحدود .
إن من يجب أن يكون له نشاط في هذا المجال ( مجال شؤون المرأة ) هن نساء مجتمعنا ، و إذا كان هناك قصور في المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي ، سواء كان في إيران او بعض الدول الإسلامية ، فباعتقادي أن جزءاً منه يرجع إلى النساء أنفسهن ، و الجزء الآخر يكون بسبب الرجال ؛ لأن من يجب عليه أن يعرف حقوق المرأة في الإسلام و أن يدافع عنها ، هي المرأة بالدرجة الأولى . يجب على النساء أن يعرفن ماذا يقول الله تعالى في القرآن الكريم عن المرأة ، و ماذا يريد منها ، و يجب أيضاً أن يعرفن من الذي يحدّد مسؤولية المرأة حتى تستطيع أن تدافع عن حقها بما يقوله الإسلام و في إطار الإسلام ؛ و إذا كانت المرأة بعيدة عن هذه الأمور ، فسوف تسمح لفاقدي القيم الإنسانية أن يمارسوا الظلم لها ، كما نلاحظ في المجتمع الغربي الخاضع للأنظمة المادية ، بالرغم من كل هذه الشعارات المرفوعة لمصلحة المرأة . حيث نجد أن أكثر الظلم الذي يقع على المرأة في هذه المجتمع هو من قبل الرجال ، فنجد ظلم الأب لابنته و الأخ لأخته و الزوج لزوجته ، و نجد حسب الإحصائيات و الأرقام الموجودة على المستوى العالمي ، أن نسبة كبيرة من الظلم للمرأة و التعدي عليها يمارس من قبل رجال هذه المجتمعات الغربية .
إذا تحلّ القيم المعنوية مكانها الطبيعي ، و إذا لم تكن هي السائدة في نظام من الأنظمة ، فسوف تخلو القلوب من القوة المعنوية الإلهية ، و سيجد الرجال طريقة لظلم المرأة مستعيناً بقدرته الجسمانية المادية . إن الرادع الحقيقي لممارسة الظلم يتمثل في الله و الإيمان و القانون ، و أيضاً في معرفة المرأة لحقها الإنساني و الإلهي و الدفاع عنه و سعيها لتحقيقه بكل معنى الكلمة .
إن الإسلام قد عيّن حدّاً وسطاً في مسالة حقوق المرأة خالياً من الإفراط و التفريط ، حيث لم يعط للمرأة حق ممارسة الظلم . و في نفس الوقت لم يغض النظر عن الطبيعة الحاكمة التي تميّز الرجل عن المرأة ، إن الصراط المستقيم و القويم هو الصراط الإسلامي الذي حدّده الإسلام ، و نحن نشير إليه بصورة مختصرة .
عين الإسلام ثلاثة مجالات لنشاطات المرأة:
المجال الأول: التكامل و النمو و الترقي المعنوي للمرأة . إنّ المرأة لا تختلف عن الرجل في هذا المجال ، أي إن المرأة تستطيع أن تصل إلى أعلى درجات الكمال المعنوي ، كما يستطيع الرجل أن يصل إلى هذه الدرجات الرفيعة ، و القرآن الكريم عندما يريد أن يذكر نموذجاً للإنسان المؤمن يختاره من بين النساء كما يختاره من بين الرجال : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ... ﴾ 1 . الله سبحانه و تعالى يذكر نموذجين من النساء بصفتهما رمزاً للإنسان المؤمن لا رمزاً للمرأة المؤمنة ، يعني أن الله تعالى عندما أراد أن يذكر نموذجاً و مثلاً لأعلى درجات الانسانية و التكامل المعنوي ذكره من النساء ، حيث ذكر امرأتين نموذجاً حياً لذلك إحداهما امرأة فرعون : ﴿ ... إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ 1 . لقد كافحت هذه المرأة تلك القدرة المتغطرسة الطاغوتية المتمثلة بزوجها ، و لم تخضع لظلمه المقتدر . إن عظمة هذه المرأة تتجلى في أن زوجها لم يستطع أن يفرض عليها طريق الظلال و هي في بيته ، مع أن عظمته و قدرته الواسعة استطاعت أن تسيطر و تهيمن على ملايين الرجال و جعلتهم رهن إرادته ، بل عاشت هذه المرأة حرّة و آمنت بالله و تركت طريق فرعون و طريق الضلال اختارت الطريق الإلهي القويم ، لذا ذكرها القرآن الكريم نموذجاً بارزاً لا لبني جنسها فقط بل للبشرية جمعاً رجالاً و نساءً .
المرأة الأخرى التي ذكرها القرآن الكريم هي مريم بنت عمران ( عليها السلام ) و أم عيسى ( عليه السلام ) ؛ هذه المرأة التي وقفت كالجبل الاشمّ أمام كل الظنون السيئة و التهم التي توجهت إليها من قبل سكان مدينتها و منطقتها ، و أخذت بيدها روح الله و كلمته ، هذه الآية العظمى التي زرعها الله تعالى في رحمها الطاهرة بقدرته و إرادته ، لتشقّ بها الظلام الذي كان مهيمناً على العالم في ذلك الزمان ؛ فهاتان المرأتان قد ملأتا الدنيا بنورهما و ضيائهما .
إذن المجال الأول هو مجال النمو و التكامل الروحي للإنسان ، و لا يوجد في هذا المجال فرق بين المرأة و الرجل ، المرأة مثل الرجل و الرجل أيضا مثل المرأة ، يستطيعان أن يصلا إلى أعلى مدارج الكمال المعنوي و التقرب إلى الله تعالى ، لذا يذكر القرآن الكريم هذه الآية المباركة : ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ... ﴾ 2 . نلاحظ ذكر الله تعالى المرأة إلى جانب الرجل : ﴿ ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 2 . إذن كلاهما في هذا الشأن سواء .
المجال الثاني: هو مجال النشاطات الاجتماعية الذي يشمل النشاطات الاقتصادية و السياسية و النشاطات الاجتماعية بالمعنى الأخص ، و أيضا تشمل النشاطات العلمية و طلب العلم و التدريس و السعي في سبيل الله و الجهاد و كل ميادين العمل في المجتمع . و في هذا المجال أيضا لا يجد الإسلام فرقاً بين الرجل و المرأة في ممارسه هذه النشاطات . و إذا كان هناك ادعاء أن الرجل يستطيع أن يدرس و المرأة لا تستطيع ، أو أن الرجل يستطيع أن يدرّس و المرأة لا تستطيع ، أو أن الرجل يستطيع أن تكون له نشاطات اقتصادية و المرأة لا تستطيع ، فهذا ادعاء يخالف نظرة الدين الإسلامي .
الإسلام يرى أن الرجال و النساء متساوون في ممارسة كل النشاطات المتعلقة بالمجتمع البشري . طبعاً توجد بعض الإعمال لا تلائم طبيعة جسم المرأة ، و هناك أيضاً بعض الأعمال لا تلائم طبيعة جسم الرجل ، و هذا لا يعني عدم إمكان مشاركه المرأة في النشاطات الاجتماعية ، بل تقسيم العمل يكون حسب القدرة و الرغبة و وجود مجالات تقتضي العمل فيها .
فالمرأة إذا أرادت و كان لها رغبة تستطيع أن يكون لها نشاطات مختلفة ، و تستطيع أن تؤدي أي عمل يتعلق بالمجتمع .
لقد عيّن الإسلام حدوداً لممارسة المرأة لنشاطها ، و هذه الحدود لا تتعلق بجواز مشاركة المرأة في النشاطات الاجتماعية أو عدم جوازها ، و إنما تتعلق بمسائل أخرى مثل الاختلاط بين الرجل و المرأة ، فالإسلام يؤكد أنه يجب أن تكون حدود للاختلاط بينهما ، سواء كان في الشارع أو الدائرة أو المتجر و غيرها من الأماكن الأخرى .
إن الاختلاط بين الرجال و المرأة يختلف عن الاختلاط بين الرجال أنفسهم ، و بين النساء فيما بينهن ، لذا على كل من الرجل و المرأة أن يأخذ هذه المسألة بنظر الاعتبار ، و إذا روعيت هذه المسألة من قبل الطرفين تستطيع المرأة أن تمارس كل النشاطات التي يمارسها الرجل ، و ذلك حسب قدرتها الجسمية و رغبتها في العمل و الفرصة المتاحة لها .
إن النساء يستطعن أن يتابعن مسألة طلب العلم و أن يصلن إلى درجات عالية و مرموقه منه ؛ و إذا كان البعض يعتقد أنه لا يمكن للفتيات طلب العلم ، فهذا اعتقاد خاطئ و خارج عن الصواب . يجب على الفتيات طلب العلم في الفروع التي يرغبن فيها ؛ لأن المجتمع بحاجة إلى الاختصاصات العلمية للفتيات و النساء كما أنه بحاجة إلى اختصاصات الذكور .
و لابد أن يكون الجو الدراسي لكل من الذكر و الأنثى طاهراً و نقيّاً ، و يجب أن تكون الجامعات مكاناً آمناً لأولاد الناس إناثا و ذكوراً ، و المحيط الخارجي يجب أن يكون محيطاً مناسباً من الناحية الأخلاقية ، و مؤهلاّ للمحافظة على عفّة كل من الإناث و الذكور ، و في حالة كون المحيط الخارجي كالشارع و السوق و المدرسة و غيرها محيطاً آمناً و نقيّاً من الناحية الأخلاقية و الفكرية ، يستطيع كل من المرأة و الفتاة المسلمة و الرجل و الصبي المسلم أن يمارس نشاطه في المجتمع .
إن الآباء و الأمهات و المسئولين تقع على عاتقهم مسؤولية إيجاد مثل هذا المحيط السالم أخلاقيا .
و لأجل الابتعاد عن الاختلاط فرض الله تعالى الحجاب . الحجاب هو وسيله من وسائل إيجاد الأمن الأخلاقي ، و بالحجاب يستطيع كل من الرجل و المرأة أن يحافظ على نفسه ، و في حاله ابتعاد المرأة عن الحجاب و سلوكها طريق الخلاعة التعري تضرّ نفسها و تسلب روحها الشعور بالأمن أولاً ، و تضرّ الرجل ثانياً ؛ لأنه كلما كان المحيط خإلياً من المفاسد الاجتماعية ، استطاع كل من الرجل و المرأة أن يؤديا مسؤوليتهما الاجتماعية .
إن الاسلام هو الذي فرض الحجاب باعتباره واحداً من الأحكام المهمة في الإسلام .
إذن المجال الثاني الذي ذكرناه كان عبارة عن النشاطات الاجتماعية و السياسية و العلمية و غيرها ، و المرأة لها حق انجاز مثل هذه النشاطات حسب مقتضيات زمانها و ما تجده واجباً عليها ، و أيضاً لها حق في أن تملأ الفراغ الذي تجده في مجتمعها ، مثلاً تستطيع الفتاه أن تكون طبيبة ، أو أن تخوض المجال الاقتصادي ، أو تشتغل في الحقل العلمي كأن تكون مدرسة تمارس التدريس ، أو تدخل المجالات السياسية ، أو أن تكون صحفية و غير ذلك .
إن المجال مفتوح إمامها بشرط أن تحافظ على عفتها ، و أن تبتعد عن الاختلاط . إذن المجال مفتوح لكل من المرأة و الرجل ، و هناك كثير من الكتب الاسلامية تشير إلى أن ما نقوله ، و حتى الاوامر و الواجبات الاسلامية في هذا المجال تحمّل كل من الرجل و المرأة مسؤولية اجتماعية واحدة : " من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم " ؛ هذا الخطاب لا يخص الرجال فقط بل يخاطب النساء أيضاً . على النساء أن يهتممن بشؤون المجتمع المسلم و العالم الإسلامي
لقد جاء في الآية الشريفة من سورة الأحزاب أن الرجل و المرأة متساويان في الإيمان و القنوت و الخشوع و التصدّق و الصوم و الصبر و الاستقامة و العفة و ذكر الله . إذن النشاطات التي تمارسها المرأة هي نشاطات مباحة ، و ذلك بشرط المحافظة على عفتها ، و بممارسة المرأة لهذه النشاطات تضمن نصف الأيدي العاملة في المجتمع ، فعندما دخلت المرأة ميادين التدريس أصبح عدد المعلمين ضعف ما كان عليه سابقاً ، عندما كان التدريس مقتصراً على الرجال فقط .
إذن لا فرق بين الرجل و المرأة ، فكلٌّ منهما مسؤول أمام مسألة الاعمال و النشاطات الاقتصادية و وسائل التخطيط و التفكير و غيرها ، و أيضاً كلٌّ منهما مسؤول أمام شؤون الدولة و المدينة و القرية ، و حتى في شؤون التجمعات الصغيرة و المسائل الاسرية لكل منهما مسؤولية الخاصة .
أيتها الفتيات و النساء المؤمنات ، إن أوربا التي تدعي حرية المرأة . قبل نصف قرن لم يكن للمرأة الاوربية حق التصرف بثروتها الشخصية ، و كان يجب عليها أن تضعها تحت تصرف أخيها أو أبيها أو زوجها ليستفيد منها لصالحها أو لصالحه ؛ أما في الإسلام فالمرأة هي المالكة لثروتها و لها حق التصرف بها ، سواء رضي الزوج أو الأب أو لم يرض ، و لا يستطيع أحد أن يمنعها .
إن النظرية الإسلامية في استقلإلية المرأة اقتصادياً قد سبقت العالم ، إذ صرّح الإسلام بهذه المسألة قبل ثلاثة عشر قرناً ، أما في أوربا فلم يصرح بهذه المسألة إلّا قبل أربعين أو خمسين سنة ، حتى إن بعض الدول لم تعط للمرأة استقلإلها الاقتصادي إلّا قبل سنين قليلة ، حيث سمح للمرأة و أُعطيت حق التصرف بأموالها ؛ لذا نقول إن الإسلام قد سبق غيره في هذه المسائل .
المجال الثالث : هو مجال الأسرة . لقد أشرنا سابقاً إلى نشاط المرأة في مسألة التكامل المعنوي ، و أيضاً أشرنا إلى الحكم الاسلامي و النظرية الاسلامية بالنسبة لكل أنواع النشاطات الأخرى . أما في هذا القسم فنريد أن نطرح مسألة دور المرأة الاسري ، يعني دور المرأة بصفتها زوجةً و أمّاً ، و الأحكام الإسلامية في هذا المضمار قد وصلت إلى درجة من الوضوح و الجلاء و الرفعة بحيث يشعر الإنسان بالعزة و الفخر عندما يراها و يواجهها . و قد اعطى الإسلام أهمية خاصة للمرأة في كل الأحوال سواء كانت زوجة أو أمّاً .
ففي مسألة انتخاب الزوج ، تملك المرأة الحرية المطلقة في انتخاب شريك حياتها، و لا يستطيع أحد أن يجبرها حتى أخوها و أبوها ، فضلاً عن سائر أقاربها .
هذه هي نظرية الإسلام و رأيه في مسألة الزواج ؛ و لكن توجد في المجتمع الإسلامي بعض العادات و التقاليد الجاهلية حتى في بعض مناطق إيران ، فمثلاً في بعض العشائر يستطيع ابن العم أن يتدخل في زواج بنت عمه ، و هذا عين الخطأ ؛ لأن الإسلام لم يعط لأحد حق التدخل في هذه المسائل ، و هذه عادات جاهلية لا يمكن أن نتهم الإسلام بها بمجرد ما صدرت عن بعض جلاء المسلمين ، فهؤلاء يتصرفون حسب عادات و تقاليد جاهلية لا تمت بالإسلام و إحكامه الجلية بأي صلة .
الذي يجبر بنتاً على الزواج من ابن عمها يكون عمله هذا خلاف الشرع الاسلامي ، و كذلك من يحرم بنت عمه من الزواج ، أو لا يوافق على زواجها لأنها لم تتزوج منه فقد خالف الشرع الاسلامي الحنيف .
إذا حدث نزاع و سفك دماء بين قبيلتين من القبائل ، و أراد أحد أن يحل هذا النزاع بزواج بنت أحد القبيلتين بشاب القبيلة الاخرى دون استشارتها ، يعتبر هذا الزواج خلاف الشرع الاسلامي الحنيف ؛ أما إذا أستشيرت البنت و وافقت على هذا الزواج ، و كان الزواج حلاً لهذا الخلاف الدائر ، فهذا الزواج زواج جائز و مبارك أيضاً ، و الإجبار و الإكراه في هذه المسائل خلاف الشرع الإسلامي .
لاحظوا أن الاحكام الاسلامية منذ اللحظة الاولى لتشكيل نواه الاسرة هي إلى جانب المرأة، و الاسلام يخالف تصرفات بعض الرجال الذين يحاولون فرض آرائهم و ممارسة الظلم في حياتهم الزوجية .
منذ اللحظة الاولى لتشكيل الاسرة يشترك كل من الرجل و المرأة في هذه الحياة الزوجية ، و يجب أن يتعامل كل منهما بحب و حنان مع الآخر ، و لا يحق لأحدهما أن يفرض رأيه على الاخر . إن الأحكام الاسلامية التي تنظم علاقة الرجل و المرأة أحكام دقيقة للغاية ، و الاسلام عند تشريع هذه الاحكام أخذ بنظر الاعتبار مصلحة المجتمع الإسلامي و مصلحة كل من الرجل و المرأة .
الرجل في بعض الأوقات فقط يستطيع أن يمارس سلطته على المرأة ، و أنا سأشير إلى بعضها ، فمثلاً الرجل يستطيع أن يمنع المرأة من الخروج من البيت دون إذنه ، بشرط ألّا يكونا قد اشترطا أثناء العقد شرطاً يخالف هذا الحق ( حق الزوج ) ، و هذه احدى أسرار الحكم الإلهي في هذه المسألة ، حيث اعطى للزوج فقط حق هذا المنع ولم يعطه لآخر حتى للأب ، فالأب لا يستطيع أن يمنع بنته من الخروج من البيت دون إذنه ، و كذلك الأخ لا يستطيع أن يمارس هذا الحق ، أما الزوج فهو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يمنع خروج زوجته من البيت دون إذنه . طبعاً تستطيع النساء أن يضعن بعض الشروط أثناء عقد الزواج ، و عندئذٍ يجب على كل من الزوج و الزوجة أن يعملا بهذه الشروط ، فمتى ما كان هناك شرط ضمن العقد فهذا بحث آخر ، و إن خلا العقد من أي شرط فيجب على المرأة أن تطيع الرجل في هذا المجال الذي ذكرناه سابقاً .
و على المرأة أيضاً أن تطيع الرجل في أمور اخرى لم نذكرها خلال هذا البحث ، و كل هذا بسبب طبيعة كل من الرجل و المرأة ؛ فإن لكل منهما طبيعته الخاصة ، و لا يمكن أن يُرجي من المرأة أن تقوم بأعمال الرجل أو تمتلك روحياته ، و كذلك لا يمكن أن يُرجي من الرجل أن تكون له روحيات المرأة ، لذا من مصلحة البشرية بل من مصلحة المجتمع و النظام الاجتماعي أن تراعي في التعامل الاسري هذه الروحيات الخاصة لكل منهما ؛ لأن رعاية هذه المسائل هي سبب سعادة الرجل و المرأة ، و لا يمكن لأي واحد منهما أن يمارس الظلم و الجبر و الاستعباد للآخر ، فبعض الرجال يتصور أن واجب المرأة أداء كل الأعمال التي تخدم الرجل ، و طبعاً في المحيط الاسري إذا كانت العلاقة الزوجية مبنية على الحب و التفاهم ، سعي كل واحد منهما بشوق و رغبة لخدمة الآخر و أداء واجبه ، بخلاف أن يؤدي الإنسان عمله مجبوراً مكرهاً ، مثل أن تكون المرأة كالخادمة في عملها في البيت ، و هذا يخالف الشرع الإسلامي الحنيف .
و من واجبات المرأة الاخرى داخل البيت و الجو الاسري تربية الأولاد . إن النساء اللواتي يمتنعن عن انجاب الاطفال بسبب نشاطاتهن خارج البيت ، يخالف عملهن هذا الطبيعة الانسانية للمرأة و رضوان الله تعالى .
إن اللواتي يعرضن عن تربية أولادهن أو إرضاعهم ، أو يحرمن اطفالهن من العطف و الحنان الذي يمكن أن يجده أي طفل في حضن أمه ، و ذلك بسبب بعض الأعمال التي لا تتوقف إدارتها عليهن ، فليعرفن إنهن قد ارتكبن خطأً فادحاً .
أن أفضل طريقة لتربية الأطفال هي تربيتهم في أحضان أمهاتهم المملوءة بالحب و الحنان و العطف ؛ و اللواتي يحرمن أطفالهن من هذا الحب و الحنان يكنّ قد ابتعدن عن جادة الصواب ؛ لأن هذا الحرمان لا يضرّ الطفل وحده ، بل يرجع ضرره إلى المجتمع كله ، و هذا ما لا يجيزه الإسلام .
و من واجبات المرأة الاخرى تربية أولادها تربية صحيحة و دقيقة ، و إحاطتهم بعطفها و اهتمامها عندما يصل كل من البنت و الصبي إلى سن الرشد ؛ فإذا كانت تربيتهم تربية صحيحة يكونون في مأمن من العقد النفسية و المشاكل و البؤس و الشقاء و الذلة و البلاء ، و كل هذه الأمور يبتلي بها أكثر شباب المجتمعات الغربية في أوربا و أميركا .
أيتها العزيزات ، إن المرأة الغربية لم تعط اهتماماً للأسرة و أهملت تربية الأطفال ؛ لذا نرى المجتمعات الغربية مملوءة بالشباب و الأحداث المجرمين ، ففي أوربا و أميركا تحت ظل الحضارة المادية و القصور الشامخة و المراكز النووية و ناطحات السحاب الشاهقة ذات المئة طابق ، و في ظل هذه التطورات العلمية و التكنلوجية ، نجد الاحداث و هم في سن العاشرة أو الثانية عشرة قد اتخذوا طريق الإجرام مسلكاً ، فهذا سارق و ذاك قاتل أو مهرّب أو مدمن مخدرات ، وكل هذه الأمور بسبب جهل المرأة الغربية بقيمة و منزلة الأسرة .
لم يكن وضع المرأة الغربية سابقاً مثلما هي عليه الآن ، لكن قبل 30 أو 40 أو 50 سنة بدأ وضع المرأة الغربية و خاصة في بعض الدول الأوربية و أميركا بالتردي و الانحطاط . عندما سلكت المرأة الغربية هذا الطريق المنحرف لم تكن تتوقع أو تتصور أنه بعد ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة اخرى سيُبتلي المجتمع بهذه البلايا ، فنرى الأولاد و الاحداث الذين لا يتجاوز سنهم اثني عشر عاماً يحملون مُسدساتهم و شفراتهم في جيوبهم ، و يتسكعون ليلاً و نهاراً في الشوارع ، و يقتلون دون أي اعتبار لحياة أحد ، و كل هذا بسبب انهيار أساس الاسرة و نواتها .
إن المرأة هي التي تحافظ على الاسرة و تُديرها ، و هي العنصر الأساسي لبناء الاسرة و تشكيلها لا الرجل ؛ لأن المرأة إن كانت عاقلة و فاهمة و مُدبّرة للامور و ربة بيت ممتازة ، تستطيع أن تحافظ على الأسرة إن غاب الرجل عنها لسبب من الأسباب ؛ أما الرجل فلا يستطيع أن يحافظ على بنيان الأسرة إذا ما غابت المرأة عنها ؛ و لهذا عُني الاسلام بدور المرأة في داخل الاسرة .
إذا التزمت المرأة بالاسرة و تربية أولادها ، و إذا اهتمت بإرضاعهم و إعطائهم الحب في أحضانها الحنونة ، و إذا ما غذتهم الثقافة الصحيحة و علمتهم الأحكام و القصص القرآنية و المواقف التعليمية و التربوية ، تستطيع أن تقدم للمجتمع جيلاً رفيعاً و رشيداً .
و كل هذه الأعمال التي تقوم بها المرأة لا تنافي طلبها للعلم ، أو ممارستها التدريس أو السياسة و غيرها من النشاطات الاخرى .
إن المرأة في صدر الاسلام بالإضافة إلى تضميدها لجروح الجرحى ، كانت هذه الأعمال في أكثر الأحيان على عاتق المرأة . كانت تشترك في ميادين الحرب حاملة السيف ، في الوقت الذي كانت فيه تحتضن في بيتها أطفالها لتربيتهم تربية إسلامية . كل هذه الامور كانت تمارسها المرأة بحجابها و عفافها .
إذا دققنا في الأمر نجد أنه لا يوجد أي تناقض بين هذه الامور و حجاب المرأة ، لكن البعض اتخذ في تفسير هذه المسألة طريق الإفراط ، و اتخذ آخر طريق التفريط ؛ فالبعض يقول مثلاً إن النشاطات الاجتماعية تمنع من الاهتمام بالزوج و الأولاد ؛ لذا يجب الاحتراز عنها ، و الآخر يقول بما أن الزوج و تربية الأولاد عقبة في طريق النشاطات الاجتماعية للمرأة ؛ لذا يجب محو هذه العقبة ، و كلتا النظريتين بعيدة عن الصواب .
إن للمرأة واجبات هي ركنيه و أساسية في الاسرة ، و المرأة أيضاً هي السند الروحي لزوجها ، ففي فترة النضال ضد النظام الطاغوتي في إيران كان لكثير من الرجال دور بارز في ميادين الجهاد ، لكنهم لم يستطيعوا أن يواصلوا كفاحهم هذا بسبب وقوف نسائهم في طريقهم ؛ و ذلك لأنهن لا يتحملن مصاعب و متاعب الجهاد و لفقدانهن العفو و التسامح .
و كثير من النساء كنّ على عكس ما ذكرنا ، فقد شجعن أزواجهن على الجهاد و النضال و المقاومة و التصدي للنظام البائد ، و ساعدتهم و كنّ خير سند روحي لهم .
بين سنتي 1356 و 1357 هـ . ش ( 1977 ـ 1978 م ) كانت شوارع إيران تكتظ بالناس ، و كان للنساء دور بارز في التعبئة و إرسال أزواجهن و أولادهن إلى ميادين الكفاح و المقاومة و المظاهرات ضد الحكم الجائر .
إن النساء في أيام الثورة و الحرب المفروضة قد جُعلن أولادهن و أزواجهن فدائيين مقاومين و أقوياء في سبيل الإسلام و الدفاع عنه ، هذا هو دور المرأة الذي تستطيع أن تؤديه في اسرتها ، و يُعتبَر برأيي من أهم الأدوار و أعظمها .
إن أهم دور للمرأة هو تربية أولادها ، و مساندة زوجها روحياً ليستطيع أن يقتحم مجالات الحياة العظيمة ؛ و نشكر الله و نحمده أن المرأة الايرانية قد خطت خطوات عظيمه في هذا المجال .
إن نساء إيران الواعيات و الشجاعات و القويات و الصبورات كان لهن دور فاعل في زمن الثورة و الحرب المفروضة ، و ذلك في جبهات القتال و في خلف الجبهات و حتى في بيوتهن .
و لنساءنا اليوم دور فاعل في المجالات السياسة و الثقافية و الثورية ، و كذلك على صعيد النشاطات العالمية لهن دور فاعل أمام العداء في العالم كله .
إن المفسرين المحللين السياسيين الذين يهتمون و يفسرون قضايا بلادنا العزيزة ، عندما يرون هذا الجمع العظيم و هذه الإرادة القوية و هذا الوعي و الرغبة ، يحسون بالتقدير و الاحترام لبلدنا العظيم و شعبنا المحترم و نظامنا الجمهوري الإسلامي 3 .
1. a. b. القران الكريم : سورة التحريم ( 66 ) ، الآية : 11 ، الصفحة : 561 .
2. a. b. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 35 ، الصفحة : 422 .
3. من حديث لقائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي « مد ظلّه » في التجمع العظيم لتكريم النساء المجاهدات في الجمهورية الإسلامية في إيران .
المصدر: وکالة أنباء براثا
إضافة تعليق جديد