الرابع من ربيع الثاني ذكرى ولادة سليل النبوية والإمامة السيد عبد العظيم الحسني
الرابع من ربيع الثاني ذكرى ولادة سليل النبوية والإمامة السيد عبد العظيم الحسني
بسم الله الرحمن الرحيم
الولادة والنسب الشريف:
ولد أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام رضوان الله عليه في اليوم الرابع من شهر ربيع الثاني عام 173 هـ، في عهد الإمام الكاظم عليه السلام وعاش في مدينة سامراء.
صفاته السامية:
السيد عبد العظيم الحسني ذو ورع ودين، عابد معروف بالأمانة وصدق اللهجة، عالم بأمور الدين، قائل بالتوحيد والعدل، قال المحدث القمي: «علو مقامه وجلالة شأنه أظهر من الشمس فإنه من سلالة خاتم النبيين وهو من أكابر المحدثين وأعاظم العلماء والزهاد وذوي الورع والتقوى وهو من أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام كان متوسلاً بهما أقصى درجات التوسل ومنقطعاً إليهما غاية الإنقطاع».
منزلته عند الإمام الهادي:
روى أبو تراب الروياني قال: سمعت أبا حماد الرازي يقول: دخلت على علي بن محمد عليه السلام بسر من رأى فسألته عن أشياء من الحلال والحرام فأجابني فيها، فلما ودّعته قال لي: يا أبا حماد إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني، وأقرأه مني السلام.
السيد يعرض دينه على الإمام:
روى الشيخ الصدوق وغيره عن عبد العظيم انه قال: دخلت على سيّدي علي بن محمد عليهما السلام فلما بصر بي قال لي: مرحباً بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقاً، فقلت له: يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيّاً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عز وجل، فقال: هات يا أبا القاسم.
فقلت: أني أقول: أن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء خارج من الحدّين حدَّ الأبطال وحدَّ التشبيه، وانه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل مُجسّم الأجسام، ومصوّر الصور وخالق الأعراض والجواهر ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدِّثه وان محمد عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده الى يوم القيامة، وأقول: أنَّ الإمامة والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي.
فقال عليه السلام: ومن بعد الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده، قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه ولا يحلُّ ذكره حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال: فقلت: أقررت وأقول: أنَّ وليهم ولي الله، وعدوّهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول: أنّ المعراج حقّ والمسألة في القبر حق وأنّ الجنة حق والنار حق والصراط حق والميزان حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأقول: انّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال علي بن محمد عليهما السلام: يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
من وصايا الإمام الرضا للسيّد عبد العظيم:
يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم، وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة، فإن ذلك قربة إليَّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً، فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك واسخط ولياً من أوليائي، دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين.
من مروياته رضوان الله عليه:
روى علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال: حدثني عبد العظيم الحسني في خبر طويل يقول: إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، وليس بجسم ولا صورة، خالق الأعراض والجواهر.
وروى عبيد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام: ما تقول في الحديث الذي يروي الناس بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ فقال: لعن الله محرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك إنما قال : إن الله عز وجل ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا ليلة الجمعة فينادي هل من سائل فأعطيه؟ وذكر الحديث وبهذا الإسناد عن الرضا عليه السلام في قوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة:22و23 قال: مشرقة منتظرة ثواب ربها عز وجل.
وروى علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا عليهم السلام .. فقال: يا غلام ممن المعصية؟ فقال: لا تخلو من ثلاثة:
إما أن تكون من الله عز وجل وليس منه، فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لم يكتسبه. وإما أن تكون من الله ومن العبد، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف. وإما أن تكون من العبد وهي منه، فإن عاقبه فبذنبه، وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.
وروى عبد الله بن موسى، عن عبد العظيم، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرضا عليه السلام ثمانية أشياء لا تكون إلا بقضاء الله وقدره: النوم واليقظة، والقوة والضعف، والصحة والمرض، والموت والحياة.
وفاته عليه رضوان الله:
استمر السيد الجليل رضوان الله عليه بالدعوة إلى الحق في البلاد الإسلامية، ولما خاف السلطان طاف؛ بالبلدان على أنه أي رسول. وكان رجلاً، زاهداً، متّقياً، ورعاً، إلاّ أنّه هرب من جور الخليفة العباسي إلى إيران.
السيد في مدينة الري:
ثم ورد الري وسكن برستاق دار رجل من الشيعة في سكة الموالي، وكان يعبد الله في ذلك السرب، يصوم نهاره ويقيم ليله، وكان يخرج مستتراً يزور قبراً ويقول: هو رجل من ولد موسى بن جعفر عليه السلام فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب ويقع خبره إلى أفراد الشيعة حتى عرفه أكثرهم، فرأى رجل من الشيعة في المنام رسولَ الله صلى الله عليه وآله قائلاً له: إن رجلاً من ولدي يحمل في سكة الموالي، ويدفن عند شجرة التفاح في بستان عبد الجبار بن عبد الوهاب، وأشار إلى المكان، فذهب الرجل ليشتري الشجرة ومكانها من صاحبها فقال: لأي شيء تطلب الشجرة ومكانها؟ فأخبره بالرؤيا فذكر صاحب الشجرة أنه رأى مثل هذه الرؤيا، وأنه جعل البستان وقفاً على الشريف والشيعة يدفنون فيه فمرض رضوان الله عليه مرضاً شديداً أدّى به إلى وفاته في 15 شوّال من سنة 252 هـ، أيّام عهد الإمام الهادي عليه السلام فلما جرد عن ثيابه على المغتسل وجدت ورقة في ثيابه مكتوب فيها ما نصه: أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ودفن في مدينة ري، جنوب العاصمة طهران، ومزاره اليوم ملاذ للمؤمنين والموالين لأهل البيت عليهم السلام.
المرقد المبارك:
كان من الأسباب الداعية لأن ينزل السيد عبد العظيم الحسني مدينة الري؛ زيارة قبر حمزة بن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. وهذا المعنى موجود في زيارة السيد عبد العظيم بما لفظه: «يا زائر قبر خير رجل من ولد موسى بن جعفر» وعلى بعض الروايات كان السيد حمزة رضوان الله عليه قد سافر مع أخيه الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان وكان قائماً بخدمته في الطريق، ساعياً في مآربه، طالباً الرضا وممتثلاً لأوامره، فخرج عليه قوم من أتباع المأمون فقتلوه وقبره في بستان في مدينة ري.
وفي بعض الأحاديث: أن عبد العظيم كان يخرج عند إقامته بالري متستراً يزور قبراً يقول: إنه قبر رجل من ولد موسى بن جعفر.
قال المحدث القمي: ونجد هناك في عصرنا قبراً ينسب إلى حمزة ابن الإمام موسى، والظاهر أنه القبر الذي كان يزوره عبد العظيم، وينبغي زيارته أيضاً.
من تاريخ المزار:
يعتبر تاريخ تجديد مزاره في العهد السلجوقي على ما يقوله القاضي نور الله الشوشتري: أول من جُدد هو مسجد الملك أبي الفضل أسعد بن محمد بن موسى الرادستاني القمي، وزير السلطان السلجوقي بركيارق بن ملكشاه بن الب أرسلان، فقد كان هذا الوزير قد جدد عدة مزارات لأهل البيت.
وتوالت العناية من مختلف الزوار حتى العهد الصفوي، فقام الشاه طهماسب في سنة 944هـ بتوسعة البناء والتعمير.
ويوجد على القبر صندوق عتيق مؤرخ سنة 725هـ عليه آيات قرآنية ومنها هذا النص:
بسم الله الرحمن الرحيم أمر بترتيب هذه التربة الشريفة والروضة المنيفة، والمشهد المقدس والمرقد المنور للسيد الأعظم الأجل المعظّم جلال آل طه ويس، حبل الله في الأرضين، سراج الملة والدين، عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، بإشارة المولى الصاحب الأعظم والمفتخر الحاج الحرمين، دستور العهد خواجة نجم الحق والدين محمد ابن المولى الصاحب الأعظم سلطان منصور الفومدي أعز الله أنصاره وطاب مثوى آياته العظام وأجداده الكرام، تحريراً في سنة خمس وعشرين وسبعمائة والخواجة المذكور كان وزير المغول في سنة 736ـ716هـ.
ويوجد باب عتيق كتب عليه ما نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين...تمت كذا) هذا الباب لمشهد الإمام المقدس سيد عبد العظيم (عليه السلام) سنة ثمان وأربعين وثمان مائة، وسنة 848هـ يعتبر في حكومة السلطان شاهرخ الذي حكم 807 ـ850هـ.
أما الضريح الفضي الذي يقوم فوق القبر، فقدمه الشاه القاجاري فتح علي كهدية للحرم، كما أهدى أيضاً في عام 1219هـ المرايا المنصوبة في أعلى الإيوان وجوانب الأروقة.
وأما التذهيب فقد تم سنة 1270هـ بأمر الملك ناصر الدين شاه، وظهر في بعض الحفريات حول المرقد كتابة كوفية يقرأ منها ما يأتي:
بسم الله الرحمن الرحيم أمر بناء هذه القبة المطهرة على ساكنها السلام صاحب... سيد الدين شمس الدين، مجد الملك، مشيد الدولة أبو الفضل أسعد بن محمد بن موسى، ثقة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه.
وهذا السيد هو مجد الملك أسعد براوستاني القمي، ويعرف بالسيد شمس الدين مشيد الدولة أبو الفضل أسعد بن محمد بن موسى، ثقة أمير المؤمنين وكيل المظالم وكان من سادات قم، المدينة المعروفة بالتشيع في العصر السلجوقي، وله آثار كثيرة منها هذه، وقد أدرج في البناء اليوم كتابة مفادها: إن جهود المتخصصين أسفرت عن أن العمارة الأولى لهذه الروضة المطهرة، كانت في النصف الثاني من القرن الثالث بواسطة محمد بن زيد الداعي العلوي، والبوابة صنعت بأمر الملوك البويهيين، ثم باهتمام مجد الملك القمي وزير بركيارق فيما بين 480 - 490 هجرية.
فضل زيارته:
يكفي في عظمة السيد عبد العظيم الحسني رضوان الله تعالى عليه ما ورد عن الأئمة عليهم السلام فيه: فعن محمد بن يحيى، عمن دخل على أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام من أهل الري قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام، فقال لي: أين كنت؟ فقلت: زرت الحسين عليه السلام.
فقال: أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي عليهما السلام. وسائل الشيعة ج14 ص575 ب93 ح(19849)، وروي: إن من زار قبره وجبت له الجنة، وهذا الخبر رواه أيضاً الشهيد في حواشي الخلاصة، وقال المحقق الداماد: إن الروايات في فضل زيارة السيد عبد العظيم متظافرة.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
المصدر: المناسبات الاسلامیة
إضافة تعليق جديد