رواية (كان خلقه القرآن) ودلالتها على عصمة أهل البيت وملازمتهم للقرآن الكريم
رواية (كان خُلُقُه القرآن) ودلالتُها على عصمة أهل البيت عليهم السلام وملازمتهم للقرآن الكريم في جميع أحوالهم
كتبه: عاشق أمير المؤمنين
1 - أخرج مسلم في صحيحه (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، ح746) خبر طويلاً نذكر موضع الشاهد منه :
فقلتُ: يا أمَّ المؤمنين أَنْبِئيني عن خُلُقِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالتْ: أَلَسْتَ تقرأُ القرآنَ؟ قلتُ: بلى، قالتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآنَ. قال: فَهَمَمْتُ أنْ أقومَ، ولا أسألَ أحداً عن شيءٍ حتى أموتَ...
2- أخرج أحمد في مسنده (ج42 ص183 ح25302) :
حدَّثنا عبدُ الرَّزَّاق، عن مَعْمَر، عن قتادة، عن زُرارة، عن سَعْد بن هشام
قال: سألتُ عائشة، فقلتُ: أخبريني عن خُلُق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان خُلُقُه القرآنَ .
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
3- أخرج الطبري في تفسيره (ج23 ص150-151) في تفسير قوله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) :
حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلى ، قال : ثنا ابنُ ثورٍ ، عن معمرٍ، عن قتادةَ ، قال : سُئِلت عائشةُ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قالت : كان خُلُقُه القرآنَ . تقولُ : كما هو في القرآنِ.
حدَّثنا بشرٌ، قال : ثنا يزيدُ ، قال : ثنا سعيدٌ ، عن قتادةَ قولَه : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، ذُكِر لنا أن سعدَ بنَ هشامٍ سأَل عائشةَ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ألسْتَ تَقْرَأُ القرآنَ؟ قال : قلتُ : بلى . قالت : فإن خُلُقَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان القرآنَ .
حدَّثنا عُبيدُ بنُ آدمَ بنِ أبي إياسٍ ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا المباركُ بنُ فَضالةَ ، عن الحسنِ ، عن سعدِ بنِ هشامٍ ، قال : أتَيْتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين رحمةُ اللهِ عليها ، فقلتُ : أخْبِريني عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقالت : كان خلقُه القرآنَ ، أمَا تَقْرَأُ : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)؟
حدَّثني يونُسُ، قال : أخبَرنا ابنُ وهبٍ ، قال : أخبَرني معاويةُ بنُ صالحٍ ، عن أبي الزاهريةِ ، عن جُبيرِ بنِ نُفيرٍ ، قال : حجَجْتُ فدخَلْتُ على عائشةَ ، فسأَلْتُها عن خلقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلقُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم القرآنَ .
(10.4 M) PDF
كـلــمــــــات الأعــــلام
1- قال ابن تيمية (جامع المسائل "المجموعة الثامنة" ص215-216) :
" فعملُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخلصُ الأعمال، لا يَعبُد إلا الله وحدَه لا شريكَ له، كما عُلِمَ ذلك من دينه الخاص والعام. كان يقول في دُبُر صلاتِه: "لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاه، مُخلِصين له الدِّينَ ولو كرِه الكافرون، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاه، له النعمة وله الفضلُ وله الثناء الحسن". بل هو إمام الموحدين المخلصين، لم يُقِمْ أحدٌ من الخلائق دينَ الله وتوحيدَه باطناً وظاهراً كما أقامَه، ولم يَدْعُ أحدٌ إلى سبيل ربّه كما دعا إليه، ولم يجاهِدْ في سبيل الله كما جاهدَ في سبيل ربّه. وعملُه أصوبُ الأعمال، كما قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]، وكان خُلُقُه القرآن".
2- قال ابن قيِّم الجوزية في (التِّبيان في أيمان القرآن ص317-318 طبعة دار عالم الفوائد) :
" ثُمَّ قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم/ 4]، وهذه من أعظم آيات نُبُوَّتِهِ ورسالته، لمن مَنَحَهُ اللهُ فهمها. ولقد سُئلَتْ أمُّ المؤمنين عن خُلُقه صلى الله عليه وسلم، فأجابت بما شَفَى وكَفَى، فقالت: "كان خُلُقُه القرآنُ " ، فَهَمَّ سائِلُها أن يقوم ولا يسألها شيئاً بعد ذلك.
وقال ابن عباس وغيرُه: "أي: على دينٍ عظيمٍ".
وسمَّى "الدِّين" خُلُقاً؛ لأنَّ الخُلُق هيئةٌ مركَّبَةٌ من علومٍ صادقةٍ، وإراداتٍ زاكيةٍ، وأعمالٍ - ظاهرةٍ وباطنةٍ - موافقةٍ للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوالٍ مطابقةٍ للحقِّ، تصدر تلك الأقوال والأعمال عن تلك العلوم والإرادات، فتكتسب النفسُ بها أخلاقاً هي أزكى الأخلاقِ وأشرفها وأفضلها.
فهذه كانت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم المقتبسة من مشكاة القرآن، فكان كلامه مطابقاً للقرآن؛ تفصيلاً له وتبييناً، وعلومُهُ علوم القرآن، وإراداتُهُ وأعمالُهُ ما أوجبَهُ ونَدَبَ إليه القرآنُ، وإعراضُهُ وتَرْكُه لما مَنَعَ منه القرآنُ، ورَغْبَتُهُ فيما رغَّبَ فيه، وزُهْدُه فيما زهَّدَ فيه، وكراهته لما كَرِهَهُ، ومحبته لما أحبَّهُ، وسَعْيُهُ في تنفيذ أوامره، وتبليغِهِ، والجهادِ في إقامته.
فترجَمَتْ أُمُّ المؤمنين - لكمال معرفتها بالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وحسن تعبيرها - عن هذا كلِّه بقولها: "كان خُلُقُهُ القرآنُ" ، وفَهِمَ السائلُ عنها هذا المعنى، فاكتفى به واشتفى".
وقال في (الدَّاء والدَّواء ص476 طبعة دار عالم الفوائد) :
" وكما أنّ المحبة والإرادة أصل كل فعل كما تقدّم، فهي أصل كلّ دين سواء كان حقًّا أو باطلاً. فإنّ الدين هو من الأعمال الباطنة والظاهرة، والمحبّةُ والإرادةُ أصل ذلك كلّه.
والدين هو الطاعة والعادة والخلُق. فهو الطاعة اللازمة الدائمة التي صارت خلُقاً وعادةً . ولهذا فسر الخلق بالدين في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم/ 4].
قال الإمام أحمد: عن ابن عيينة، قال ابن عباس: لعلى دين عظيم.
وسئلت عائشة عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان خلقَه القرآنُ".
3- قال ابن كثير في تفسيره (ج14 ص86-87) في تفسير قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) :
" وقال ابن جرير: حدثنا عبيد بن آدم بن أبي أياس ، حدثنا أبي ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن سعد بن هشام ؛ قال : أتيت عائشة أم المؤمنين فقلت لها : أخبريني بخُلق النبي صلى الله عليه وسلم . فقالت : كان خلقه القرآن ، أما تقرأ : (وإنك لعلى خُلُق عظيم) ؟
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث الحسن نحوه.
وقال ابن جرير: حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نُفير ؛ قال : حججتُ فدخلتُ على عائشة - رضي الله عنها - فسألتها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن .
هكذا رواه [ أحمد عن ] عبد الرحمن بن مهدي. ورواه النسائي في التفسير ، عن إسحاق بن منصور ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح به.
ومعنى هذا أنه - عليه السلام - صار امتثالُ القرآن ، أمراً ونهياً - سجيةً له ، وخلقاً تَطَبَّعَه ، وترك طبعه الجِبِلّي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه ، هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء والكرم ، والشجاعة والصفح ، والحلم ، وكل خلق جميل ، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي : أفٍّ قطّ ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلتَه ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلته ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ، ولا مَسسْتُ خزًّا ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا [ شَممْتُ مسكاً ] ولا عطراً كان أطيب من عَرَق رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(11.0 M) PDF
وقال في (البداية والنهاية ج8 ص456) :
" وقد ثبَت في "صحيح مسلم" مِن حديثِ قتادةَ ، عن زُرارةَ بنِ أوْفَى ، عن سعدِ بنِ هشامٍ قال : سألْتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين ، رضِيَ الله عنها ، فقلتُ : أخْبِريني عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فقالت : أما تقْرَأُ القرآنَ ؟ قلتُ : بلى. فقالت : كان خُلُقُه القرآنَ .
وقد روَى الإمامُ أحمدُ ، عن إسماعيلَ بنِ عُلَيَّةَ ، عن يونسَ بنِ عُبَيدٍ ، عن الحسنِ البصريِّ قال : سُئِلَت عائشةُ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خُلُقُه القرآنَ .
وروَى الإمامُ أحمدُ ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ ، والنسائيُّ مِن حديثِه ، وابنُ جريرٍ مِن حديثِ ابنِ وهبٍ ، كلاهما عن معاويةَ بنِ صالحٍ ، عن أبي الزَّاهريَّةِ، عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ قال : حجَجْتُ فدخَلْتُ على عائشةَ ، فسألْتُها عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خُلُقُه القرآنَ. ومعنى هذا أنه، عليه الصلاةُ والسلامُ ، مهما أمَره به القرآنُ امتَثَله ، ومهما نهاه عنه ترَكه ، هذا مع ما جبَله اللهُ عليه مِن الأخلاقِ الجِبِلِّيَّةِ الأصليةِ العظيمةِ التي لم يكنْ أحدٌ مِن البشرِ ولا يكونُ على أكملَ منها ، وشرَع له الدينَ العظيمَ الذي لم يَشْرَعْه لأحدٍ قبلَه ، وهو مع ذلك خاتَمُ النبيين ، فلا رسولَ بعدَه ولا نبيَّ ، فكان فيه مِن الحيَاءِ والكرمِ والشجاعةِ والحِلْمِ والصَّفْحِ والرحمةِ وسائرِ الأخلاقِ الكاملةِ ما لا يُحَدُّ ولا يمكنُ وصفُه"
(11.7 M) PDF
4- قال ابن رجب الحنبلي في (جامع العلوم والحكم ج2 ص99 تحقيق شعيب الأرنؤوط وإبراهيم باجس) في شرح الحديث 27 :
" وقد يكون جوابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث النّواس شاملاً لهذه الخصال كلِّها، لأن حُسنَ الخُلق قد يُراد به التخلُّقُ بأخلاق الشريعة، والتأدُّب بآداب الله التي أدَّبَ بها عبادَه في كتابه، كما قال تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّكَ لعَلى خُلُقٍ عظيمٍ) [القلم: 2]، وقالت عائشة: كان خُلُقُه القرآن، يعني أنَّه يتأدَّب بآدابه، فيفعل أوامرَه، ويجتنب نواهيه، فصار العملُ بالقرآن له خُلقاُ كالجبلَّة والطَّبيعة لا يُفارِقُه، وهذا أحسنُ الأخلاق وأشرفُها وأجملُها".
5- قال ابن حجر الهيتمي في (المِنَح المَكِيَّة في شرح الهَمْزيَّة ص287-288 طبعة دار المنهاج، جدة، الطبعة الثانية، 1426هـ - 2005م) :
" ولما اجتمع فيه صلى الله عليه وسلم من خصال الكمال وصفات الجلال والجمال ما لا يحصره حد ، ولا يحيط به عد. . أثنى الله تعالى عليه في كتابه الكريم ، فقال عز قائلاً : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، فوصفه بالعظيم ، وزاد في المدحة بإتيانه بــ(على) المشعرة بأنه صلى الله عليه وسلم استعلى في ذلك على معالي الأخلاق واستولى عليها ، فلم يصل إليها مخلوق غيره ، ووصف بالعظم دون الكرم الغالب وصفه به ؛ لأن كرمه يراد به السماحة والدماثة ، وخلقه صلى الله عليه وسلم غير مقصور على ذلك ، بل كما كان عنده غاية الرحمة للمؤمنين. . كان عنده غاية الغلظة والشدة على غيرهم ، فاعتدل فيه الإنعام والانتقام ، ولكن لم يكن له همة سوى الله تعالى ، فعاشر الخلق بخُلُقه ، وباينهم بقلبه ، ومن ثم ورد بسند فيه ضعف : "إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ ، وَكَمَالِ مَحَاسِنِ الأَفْعَالِ" ، وفي رواية "الموطأ" بلاغاً : "بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ" ، فكل خلق حميد اندرج تحت خلقه ، ومن ثم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : (كان خلقه القرآن).
قال السهروردي - رحمه الله تعالى ونفع به - في "عوارفه" : ( في قولها ذلك رمز غامض وإيماء خفي إلى الأخلاق الربانية ، فاحتشمت من الحضرة الإلهية أن تقول : كان متخلقاً بأخلاق الله تعالى ، فعبرت عن المعنى بقولها : "كان خلقه القرآن" استحياء من سبحات الجلال ، وستراً للحال بلطف المقال ، وهذا من وفور عقلها ، وكمال أدبها) اهـ
وقال بعض العارفين : لما كان خلقه صلى الله عليه وسلم أعظم خلق. . بعثه الله تعالى إلى جميع العالمين ، وعلم من كلام عائشة رضي الله تعالى عنها : أن كمالات خلقه صلى الله عليه وسلم لا تتناهى ، كما أن معاني القرآن لا تتناهى ، وأن التعرض لحصر جزئياتها غير مقدور للبشر ، ثم ما انطوى عليه صلى الله عليه وسلم من كريم الأخلاق. . لم يكن باكتساب ورياضة ، وإنما كان في أصل خلقته بالجود الإلهي ، والإمداد الرحماني الذي لم تزل تشرق أنواره في قلبه صلى الله عليه وسلم إلى أن وصل إلى أعظم غاية وأتم نهاية".
6- قال السِّندي في حاشيته على سنن النسائي (ج3 ص221 ح1600 طبعة دار المعرفة، بيروت) :
" وكون خلقه القرآن هو أنه كان متمسكاً بآدابه وأوامره ونواهيه ومحاسنه ويوضحه أن جميع ما قص الله تعالى في كتابه من مكارم الأخلاق مما قصه من نبي أو ولي أو حث عليه أو ندب إليه كان صلى الله عليه وسلم متخلقاً به وكل ما نهى الله تعالى عنه فيه ونزه كان صلى الله تعالى عليه وسلم لا يحوم حوله".
7- قال الآلوسي في (روح المعاني ج6 ص306 طبعة مؤسسة الرسالة) في تفسير الآية 125 من سورة النساء :
" والظاهر من كلام المحقِّقين أنَّ الخلة مَرْتبةٌ مِن مراتب المحبَّة، وأنَّ المحبة أوسعُ دائرةً، وأنَّ من مراتبها ما لا تبلغُه أُمنيةُ الخليل عليه السلام، وهي المرتبةُ الثابتة له صلى الله عليه وسلم، وأنَّه قد حَصَلَ لنبيِّنا عليه الصلاة والسلام مِن مقام الخلة ما لم يَحصل لأبيه إبراهيم عليه السلا م ، وفي الفرع ما في الأصل وزيادة.
ويُرشدك إلى ذلك أنَّ التخلُّق بأخلاق الله تعالى الذي هو مِن آثار الخلة عند أهل الاختصاص أظهرُ وأتمُّ في نبيِّنا صلى الله عليه وسلم منه في إبراهيم عليه السلام، فقد صحَّ أنَّ خُلُقَه القرآ ن ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "بعثتُ لأتمِّم مكارمَ الأخلاق" وشهد الله تعالى له بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]".
وعلى هذا الرابط (ج5 ص155-156).
(6.7 M) PDF
8- قال الشيخ عبد العزيز بن باز (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج6 ص266-267) :
" فكتاب الله فيه الهدى والنور، وهو أعظم التراث، وأفضل التراث وأصدقه، فيه الهدى والنور، فيه الدلالة على كل خير والتحذير من كل شر، فيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والتحذير من سيء الأخلاق وسيء الأعمال، يقول الله عز وجل في وصف نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام في سورة القلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وصف نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه على (خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وهذا الخلق العظيم وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: (كان خلقه القرآن) لما سئلت عن ذلك، والأمر كما قال الله عنه، فإن خلقه هو القرآن ممتثلاً لأوامره، وينتهي عن نواهيه، ويدعو إليه، ويعمل بالصفات التي أثنى على أهلها القرآن، ويبتعد عن الصفات التي ذم أهلها القرآن، هكذا كان عليه الصلاة والسلام، على هذا الخلق العظيم، من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، والدعوة إلى سبيله، كان صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى في الأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة والصفات الحميدة، فهو خير الناس وأفضلهم وأكملهم علماً وسيرة وخلقاً وأصدقهم قيلاً وأحسنهم عملاً، عليه الصلاة والسلام، وهو صلى الله عليه وسلم يدعو إلى ما يدعو إليه القرآن العظيم في قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، ويقول سبحانه: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)، ويقول: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً)، فهو تبيان لكل شيء، أوضح الله فيه كل شيء إجمالاً وتفصيلاً، وجعله هدى وشفاء، جعله الله سبحانه هدى وشفاء للناس، شفاء لما في الصدور من أمراض الشرك والكفر والحسد والكبر والنفاق، وشفاء للأبدان من أمراض كثيرة تستعصي على الأطباء ويشفيها القرآن..".
وقال (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ج7 ص156-157) :
" وهذه الأخلاق بينها الله في كتابه العظيم وبينها الرسول عليه الصلاة والسلام، بينها في القرآن الكريم في غالب سور القرآن، بينها آمراً بها، وداعياً إليها، ومثنياً على أهلها، ومحذراً من أضرارها من الإشراك بالله وسائر المعاصي. والله سبحانه بعث رسوله عليه الصلاة والسلام يدعو إلى ذلك، كما في الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق"، وفي اللفظ الآخر: "لأتمم مكارم الأخلاق"، فبعثه الله ليدعو الناس لمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وأساسها توحيد الله والإخلاص له، هذا هو أصل الأخلاق الكريمة وأساسها وأعظمها وأوجبها، وهو توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، ثم يلي ذلك الصلوات الخمس، فهي أعظم الأخلاق، وأهمها بعد التوحيد وترك الإشراك بالله سبحانه وتعالى، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم، فقال جل وعلا: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )، وخلقه صلى الله عليه وسلم هو اتباع القرآن والسير على منهج القرآن فعلاً للأوامر وتركاً للنواهي، هذا هو خلقه عليه الصلاة والسلام، كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان خلقه القرآن)، والمعنى: أنه كان صلى الله عليه وسلم يعمل بأوامر القرآن، وينتهي عن نواهي القرآن، ويسير على المنهج الذي رسمه القرآن - عليه الصلاة والسلام - فهذا هو الخلق العظيم الذي أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، وهو الامتثال لأوامر الله وترك نواهيه والاستقامة على الأخلاق والأعمال التي يحبها الله ويرضاها سبحانه وتعالى..".
9- قال صفي الرحمن المباركفوري في (مِنَّة المنعم في شرح صحيح مسلم ج1 ص469) :
" ( فإن خلق نبي الله كان القرآن) بيان بليغ لخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي إنه كان قد تخلق بكل ما في القرآن، والتزم به، من الأوامر والنواهي والحدود والآداب كأنه هو القرآن نفسه".
10- قال شبير أحمد العثماني في (فتح الملهم بشرح صحيح الإمام مسلم مجلد2 ج4 ص138 طبعة دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1427هـ - 2006م) :
" قوله: "كَانَ القُرآنُ" إلخ: قال القاري في المرقاة: "أي كان خلقه جميع ما فصل في القرآن من مكارم الأخلاق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان متحلياً به".
وقيل: "تعني خلقه مذكورٌ في القرآن في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) تعني أن العظيم إذا عظم أمراً لم يقدر أحد قدره، ولم يعرف أحد طوره" اهـ. وقال الزرقاني: "كان خلقه القرآن في العمل بأحكامه، والتأدّب بآدابه، والاعتبار بأمثاله، وقصصه، وحسن تلاوته ويحتمل - كما قال القرطبي - أن تزيد الآيات التي أثنت عليه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وكقوله (الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) الآية وما في معنى ذلك.
قال بعضهم: وفيه إيماء إلى التخلق بأخلاق الله، فعبرت عن المعنى بقولها ذلك استحياءً من سبحات الجلال، وستراً للحال بلطف المقال، وهذا من وفور علمها وأدبها" اهـ.
قلتُ: والظاهر عندي أن معناه: كان الأحكام القرآنية وتعاليمه بمنزلة خصاله الفطرية الجِبِلّية التي خُلِق عليها صلى الله عليه وسلم، فالقرآن مصحفٌ عِلميٌّ، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم كأنَّه مصحف عَمَلي ، والله أعلم ".
وفي الطبعة الموجودة على هذا الرابط (ج5 ص33).
11- قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي في (شرح سنن النسائي ج17 ص276-277 ، دار آل بروم للنشر والتوزيع، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 1432هـ) :
" فكان صلى الله عليه وسلم متمسّكاً بآدابه، وأوامره، واقفاً عند حدوده، معتبراً بأمثاله وقصصه، محسّناً لتلاوته ، فكان عاملاً بقول الله تعالى: (خُذْ بِالْعَفْوِ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف : 199]، وقوله تعالى إخباراً عن لقمان: (أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) الآية [لقمان : 17]، وقوله: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) [المائدة : 13]، وغير ذلك، متحلّياً بما حثّ عليه الله تعالى بنحو قوله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النحل : 90]، وقوله: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى : 40]، وقوله: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى : 43]، متجنّباً ما نهى الله عنه، بنحو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) الآية [الحجرات : 11]، وبالجملة، فكلّ ما قصّ الله تعالى في كتابه عن الأنبياء وغيرهم، من مكارم الأخلاق، أو حثّ عليه، أو ندب إليه، أو ذكر بالوصف الأتمّ، والنعت الأكمل، كان النبي صلى الله عليه وسلم متحلّياً به، ومتولياً له، ومتخلّقاً به، وبالغاً فيه من المراتب أقصاها، حتى جُمِعَ له من ذلك ما تفرّق في سائر الخلق، وكلّ ما نهى الله عنه كان صلى الله عليه وسلم لا يحوم حوله، بل كان أبعد الناس من ه ، ولذا أثنى الله تعالى عليه بأعظم الثناء، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : 4].
(فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ) زاد في رواية مسلم: "ولا أسأل عن شيء، حتى أموت" .
يعني أن سعداً أراد أن يقوم من عند عائشة رضي الله عنها، حيث أجملت له ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، على وجه أكمل، وأوجز، حينما أحالته على القرآن الكريم الجامع لكلّ صفات الكمال، والمنفّر عن كلّ ذميم الخصال، فيمكنه تتبع أخلاقه صلى الله عليه وسلم منه إجمالاً وتفصيلاً، فلا يبقى عليه حاجة إلى سؤال شيء من أخلاقه صلى الله عليه وسلم".
أقول :
كل هذه الصفات التي وصلت إلى حدِّ العصمة ثابتة لرسولِ الله صلى الله عليه وآله لأنَّ ( خلقه القرآن )، ورسولُ الله صلى الله عليه وآله الذي كان خُلُقُه القرآن لا يحيد عنه قيد أنملة، هو الذي قَرَنَ أهل بيته عليه السلام بالقرآن الكريم وعبَّرَ عن القرآن الكريم وأهل البيت النبوي بقوله : " وإنَّهما لن يفترقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض "، والذين لا يفترقون عن القرآن الكريم ولا يفترق عنهم القرآن الكريم لا شكَّ أنَّ خُلُقَهُم القرآن، فتثبتُ لهم جميع هذه المقامات التي ذَكَرَها هؤلاء الأعلام لرسولِ الله صلى الله عليه وآله - عدا النبوة -، فأعمالهم - ظاهرة وباطنة - موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوالهم مطابقة للحق، وكلامهم مطابقٌ للقرآن تفصيلاً له وتبييناً، وعلومهم علوم القرآن، وإراداتهم وأعمالهم ما أوجَبَهُ ونَدَبَ إليه القرآن، وإعراضُهم وتركُهم لما مَنَعَ منه القرآن، ورغبتهم فيما رغَّبَ فيه، وزهدُهم فيما زهَّدَ فيه، وكراهتهم لما كرهه، ومحبَّتُهم لما أحبَّه، وسعيُهم في تنفيذ أوامره، وتبليغِه، والجهاد في إقامته، وصار امتثالُ القرآن - أمراً ونهياً سجيةً لهم وخُلُقاً تَطَبَّعُوه، فتخلَّقوا بكل ما في القرآن والتزموا به من الأوامر والنواهي والحدود والآداب كأنَّهم القرآنُ نفسه، وكلّ ما قصَّ الله تعالى في كتابه عن الأنبياء وغيرهم، من مكارم الأخلاق، أو حثَّ عليه، أو ندب إليه، أو ذكر بالوصف الأتمِّ، والنعت الأكمل، كان أهل البيت عليهم السلام متحلّينَ به، ومتولينَ له، ومتخلِّقينَ به، وبالغينَ فيه من المراتب أقصاها، حتى جُمِعَ لهم من ذلك ما تفرَّق في سائر الخلق، وكلُّ ما نهى الله عنه كانوا عليهم السلام لا يحومون حوله، بل كانوا أبعد الناس منه ووو...الخ من صفات.
المصدر: أنصار ویب
إضافة تعليق جديد