الدولة الفاطمية والحنين الشيعي لمصر

الدولة الفاطمية والحنين الشيعي لمصر

الدولة الفاطمية والحنين الشيعي لمصر
بقلم: الاستاذ محمود جابر

لا أدرى ما الذي أصاب فضيلة الدكتور عمارة بأن يشغلنا ويشغل نفسه بقضايا وهمية وغير حقيقية، في حين أن أعداء الشعب والأمة الذي حرموا المصريين كرامتهم وقوتهم قد أصبحوا مثل الهواء فهل ما يزال سماحته لا يراهم، ويرى فقط هذا العداء الشيعي والخلايا الشيعية ودولة الفواطم التي احترفت سب الصحابة.
وكالات/البديع ـ خلال المقالات الثلاثة الأولى من سلسلة المقالات التي نشرها الدكتور عمارة والتي خصصها للحديث عن الغزو الشيعي أو التبشير الشيعي في مصر، أو ما سماه أيضا الحنين الشيعي لمصر منذ زوال الدولة الفاطمية، وللرد على هذا الكلام سوف نحيل الدكتور عمارة ومن على شاكلته إلى كلام رجل حاز من السبق العلمي والتاريخى بحيث اعتبر ((أعظم مؤرخ عربي بعد ابن خلدون))، إنه الدكتور محمود إسماعيل والذي قال بالحرف الواحد: أن هناك تزويرا فاضحا في التاريخ العربي الاسلامى، قديمه وحديثه، وأن السلطة حاولت دوما تضليل الناس إلى حد أنك يمكن أن تستخلص قانونا هاما هو: كل ما تقوله السلطة، تأكد أن عكسه هو الصحيح (!)
إن النموذج الصارخ لحالة التزييف والتزوير من وجهة نظر (محمود)، هو ما يجرى تسويقه منذ زمن بعيد عن ((شذوذ)) الشيعة، وتقديمهم لنا على أنهم ضد المذهب السني،وامتد التزيف حتى وصل إلى إقناع الناس بأن إيران هي العدو وليس إسرائيل.
وربما نعود إلى أكاديمي آخر، وواحد من اكبر المتخصصين في مصر والعالم في تاريخ الدولة الفاطمية وهو الدكتور عبد المنعم ماجد الذي يصف حال المصريين بقوله : لم يكن المصريون سعداء في حكم ولاة العباسيين، وكانوا يرغبون في تحسين مركزهم بمجيء الفاطميين، بحيث أن كثيرا من المؤرخين يذكرون أن مجيء الفاطميين إلى مصر كان بناء على دعوة المصريين – ومنهم المقريزى وأبو شامه وابن خلكان – ويرجع الفضل إلى الفاطميين في خلق أهمية مصر الدولي والتجاري، إذ أنهم عرفوا مزايا الموقع الجغرافي لمصر في مفترق القارات لتربط بين عالمين، ولكي يسهل الفاطميون نقل التجارة بين الشرق والغرب فتحوا قنال بين النيل والبحر الأحمر، ويستشهد بالرحالة ناصر خسرو الذي قال: إن المصريين يعيشون في حالة حسنة جدا. وأنه رأى أموالا يملكها المصريين لو ذكرها أو وصفها، لما صدقها أحد، فهي لا تقع تحت تحديد أو حصر وهى للنصارى والمسلمين على السواء.
ويقول – ماجد – في موضع أخر: لقد أصبحت مصر لأول مرة في التاريخ – الاسلامى – مركز الحكم والتوجيه وتحولت القاهرة إلى عاصمة للعالم الاسلامى، كما أصبحت منارة للعلم وقبلة للمتعلمين، وذلك بفضل الفاطميين الشيعة، وكانت الدولة الفاطمية تمتد من أقصى المحيط الاطلسى إلى الفرات وبلغت دعوتها إلى أقصى انتشارها.
ويقول الدكتور احمد الصاوي أستاذ التاريخ الاسلامى بجامعة القاهرة : يحسب للفاطميين أنهم لم يمسوا المذاهب العقائدية ولا الفقهية، وان حكام هذه الدولة قربوا كل العلماء على اختلاف مذاهبهم، وحتى ديانتهم، وأن المبدأ الذي قامت عليه هذه الدولة هي مبدأ المواطنة.
سقوط الدولة الفاطمية :
الدكتور عمارة قال أن سبب انحطاط المسلمين هم الفاطميين ((الشيعة))، وأن أهل مصر كانوا شديدو الفرح والغبطة والسرور بزوال هذه الدولة، ولنا أن نسأل فضيلته: من نصدق فضيلتكم أم أصحاب كتب التاريخ المعتبرة والمؤرخين الأعلام لهذه الفترة والذين هم في اغلبهم يسار ماركسيين – مثلكم – أو قوميين ناصريين، اى إنهم ابعد الناس عن أن يكونوا شيعة بالمعنى العقائدي، ويمكن أن يفتخر البعض منهم بشيعيته السياسية على طريقة المجاهد العظيم سماحة السيد حسن نصر الله.. وليس على طريق الجبهة التهيسية لنهب المواطن المصري، وتخريب عقله.
المهم ولمن أراد أن يعرف موقف المصريين من سقوط الدولة الفاطمية فليطالع بداية ابن تغرى بردى في النجوم الزاهرة حيث يقول : (( إن نفوس المصريين كادت أن تزهق لزوال الدولة )). ولا ريب، فهذه الدولة أحبها المصريون، لأنها جعلت من مصر دولة مستقلة استقلالا تاما، يحكمها حكام من نسل الرسول (ص)، ولم ينسى المصريون أن الفاطميين جاءوا إلى مصر للجهاد، وان دواوين الدولة كانت تعتمد اعتمادا كليا عليهم، مسلمين وقبط، وارتقوا فيها ووصلوا إلى أعلى المناصب والوزارات، وأنها كانت الدولة الوحيدة التي شعر فيها المصريين بحريتهم في العبادة والتمذهب دون اضطهاد أو تضيق، وان أعياد الدولة كانت أعياد مواطنة للمصريين على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم، وان الدولة لم تشهد يوما ثورات اجتماعية أو خروج على سياسة الدولة كما كانت عادة المصريين مع الدول السابقة.
إذا فقد كان سقوط الدولة يعنى عندهم أن مركزهم قد ضعف بعودتهم ولاية تابعة لدولة اخرى، وأنهم خضعوا للآخرين مرة اخرى، وبدأت حالتهم الاقتصادية تتدهور حتى اختفت دنانير الذهب ودراهم الفضة، وظهرت عملة نقدية جديدة تسمى الفلوس، وهى من النحاس المخلوط بالفضة، وكان العثور على دينار ذهبيا أشبه ببشارة من الجنة.
من اجل ذلك ثار المصريين ثورات عارمة وكبرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر ثورة القاهرة الأولى 569هـ/ 1173م. وهى ثورة كبرى من اجل إزاحة السلطة القائمة وإعادة الدولة الفاطمية وقد اشترك فيها كل طوائف المصريين وطبقاتهم، حتى الترك – جند السلطة -، وانتهت الثورة بالفشل وإعدامهم جميعا في ميدان بين القصرين …
وحول كلامه عن المد الشيعي أو التبشير، وزرع الخلايا.. يقول الدكتور محمود: هذا كلام فارغ تروج له أجهزة الدعاية المصرية الفاشلة، وللأسف يورطون فيها مؤسسة الأزهر ويستغلونها في تلك الحملات التي تحاول بث الرعب في صدور الناس من الخطر الشيعي الايرانى الذي يصورونه الآن على انه العدو الأكبر للأمة الإسلامية، واذكر لي مرة واحدة أن أجهزة الأمن في مصر ألقت القبض على مبلّغ شيعي، في حين أنها تصطدم كل يوم بالمبشرين للمسيحية في أنحاء مصر، ومبشرون غربيون يأتون جهارا نهارا يستغلون فقر الناس وجهلهم. إن المصريين أحبوا الفاطميين، وعاشوا في كنف الدولة الشيعية الفاطمية طويلا لأنهم رأوا في ظلهم العدل، واخرجوا المصريين من دائرة الكآبة إلى دائرة الانفتاح على الدنيا.
أما كلود كاهن المؤرخ الكبير فيقول : لم يشهد عصر في تاريخ مصر من التسامح والاحترام لإنسانية المصري لا سابقا ولا لاحقا مثل العصر الفاطمي.
ولا أدرى ما الذي أصاب فضيلة الدكتور عمارة بأن يشغلنا ويشغل نفسه بقضايا وهمية وغير حقيقية، في حين أن أعداء الشعب والأمة الذي حرموا المصريين كرامتهم وقوتهم قد أصبحوا مثل الهواء فهل ما يزال سماحته لا يراهم، ويرى فقط هذا العداء الشيعي والخلايا الشيعية ودولة الفواطم التي احترفت سب الصحابة.

المصدر: البدیع

إضافة تعليق جديد