المنحى الانساني في سيرة النبي محمد (ص)

المنحى الانساني في سيرة النبي محمد (ص)
بقلم: علي حسين عبيد
 
لقد ركزت الاديان السماوية بما لايدع مجالا للتشكيك على ان الانسان له القيمة العليا في الوجود، وأن الله سبحانه وتعالى فضله على المخلوقات كافة، وأعطاة مكانته العظمى بين المخلوقات الاخرى، لكن في مقابل ذلك أصبح الانسان مسؤولا أمام الله تعالى في سلوكه (الفكري والعملي) في آن واحد، وتحددت هذه المسؤولية بوجوب السلوك الانساني الأمثل مع النفس ومع الآخرين كي يتم تعمير الارض بما هو صالح من النفوس والاعمال وهذا لا يتحقق بالعنجهية والقمع والاستقواء على الضعفاء، بل ثمة السلوك الانساني النابع من حقيقة النفس البشرية، بمعنى ينبغي ان ينبع هذا السلوك من الفطرة وان يلتحم مع سجايا الانسان الطبيعية.
فالرحمة والحكمة والرأفة والعفة والزهد والعدل والمساواة والتواضع وقوة الايمان والخصال الاخرى هي خصال انسانية ينبغي أن توجه السلوك الانساني وصولا الى بناء المجتمع المطلوب، ولأن الانسان يميل بالفطرة الى التعلم والتأثر بتجارب من سبقه سواء في القول او السلوك، فهو دائم البحث عن السبل المناسبة التي تحقق له غاياته وتشبع رغباته في المعرفة، وهذا ما يقودنا الى سيرة نبينا الكريم محمد بن عبد الله (ص) وعظمتها وغناها وانطوائها على كل ما يبحث عنه الانسان المسلم وسواه من خصال علمية عملية تشذب الشخصية الانسانية وتقومها في آن واحد.
فثمة كثرون من غير المسلمين يرون في فحوى السيرة النبوية المحمدية حزمة متجددة وخالدة من الدروس التي تقدم للانسانية حلولا ناجعة في عموم مجالات الحياة، وعلى الرغم من ان جل هؤلاء أناس ينتمون لاديان وعقائد أخرى لكنهم يرون في شخصية النبي محمد (ص) وتفاصيل سيرته نوافذ انسانية مفتوحة تقودهم الى الصواب دائما.
فالنبي محمد (ص) لم يكن رجل دين فحسب (كما يرى المفكرون والمتابعون الغربيون وغيرهم) بل هو رجل حياة مليئة بالتفاصيل العملية الدقيقة، فمثلما كان النبي (ص) يكد ويجد في ترسيخ المبادئ الاسلامية في النفوس كان يعلِّم الآخرين، أو هم يتعلمون منه سبلا وطرائق عملية ومعنوية لتسيير حياتهم اليومية، فسمة التواضع التي كانت تسم شخصية الرسول (ص) تتيح للجميع أن يتعلموا منه المنهج الانساني القويم الذي ينبغي أن يرافق سلوك الانسان وتفكيره معا.
فقد كتب أحد المستشرقين المعروفين وهو اميل ديرمانجم صاحب كتاب (حياة محمد) في هذا الصدد:
(إن محمدا رسول الاسلام - ص- قد أبدى في أغلب حياته بل طوال حياته اعتدالا لافتا للنظر، فقد برهن انتصاره النهائي على عظمة نفسية قلّ أن يوجد لها مثيل في التأريخ، اذ أمر جنوده ان يعفوا عن الضعفاء المسنين والاطفال والنساء، وحذرهم من ان يهدموا البيوت او يسلبوا التجار او يقطعوا الاشجار المثمرة، وأمرهم ان لا يجردوا السيوف إلاّ في حالة الضرورة القاهرة، بل قد بلغنا انه كان يؤنّب بعض قوّاده ويصلح اخطاءهم اصلاحا ماديا) *.
هكذا كان الرسول (ص) في حياته العملية حتى مع قائدي جيش الاسلام، فالمنحى الانساني قائم ومتواجد على الدوام في عموم تفاصيل السلوك والكلام معا، ولايُستثنى احد من هذا الوجوب، فكما يتطلب من الانسان البسيط حسن السلوك وتوافر النزعة الانسانية فيه، فهو أمر مطلوب من الأناس الاقوياء بمراكزهم الاجتماعية او العملية او غيرها، وثمة علاقة عكسية قائمة بين الانسانية وقوة المركز كما يرى الاسلام وكما استقى المفكرون والمتابعون من السيرة النبوية المعطرة، فكلما كان مركز الانسان العملي والاجتماعي قويا كلما كانت نزعته الانسانية متوافرة بقوة في سلوكه، أما اذا حدث العكس فإن هذا يعني غياب الانسانية في السلوك والاقول بل غيابها في جميع الانشطة البشرية مما يحيل الى اشاعة العنف والقسوة وهو ما يخالف ما تدعو اليه الاديان السماوة وما جاء به نبينا الاكرم (ص) في رسالته الاسلامية التي تدعو الى إنسانية التعامل قبل كل شيء.
وهذا تحديدا ما يضمن شرط التراحم والتكافل الذي يقود الى بناء مجتمع خال من العنف وهذا هو جوهر السيرة النبوية لمحمد بن عبدالله (ص) المعطرة بالمنحى الانساني العظيم.
........................................
هامش:
· الغرب نحو الدرب بأقلام مفكريه/ تأليف محفوظ العباسي/ ص 79 .

المدر: شبکة النبأ المعلوماتیة

إضافة تعليق جديد