ميزات النهضة الحسينية.. وفق رؤى الإمام الشيرازي
ميزات النهضة الحسينية.. وفق رؤى الإمام الشيرازي
يمكن القول بأن لكل ثورة ما يميزها من ركائز وشروط ووسائل، كما ان الانحرافات قد تشكل بعض الاطارات التي احاطت بالنهضة وجعلتها تتعامل وفق تلك المميزات.
فالاعلام على سبيل المثال، بطبيعته التي كان عليها بعد نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) صنع من الفرص التي أفرزتها تلك الانحرافات، فسبي نساء واطفال آل بيت محمد (ص) هو نوع من الانحرافات التي شكلت حافزا مهما للإعلام الثوري، ومن ثم نشر النهضة الحسينية في تلك البلدان.
ومشروعية بحثنا في هذا الموضوع إنما تتأتى من معرفتنا لمجمل الانحرافات التي كانت تشكل خطراً كبيراً على الاسلام، لا يمكن تجاوزه إلا بمثل نهضة الامام الحسين (عليه السلام).
فالانحرافات انما تكون مؤثرة، لأنها تجبر النهضة على استعمال ادوات قد لا تستعملها في وضع آخر... وهو المعنى المستفاد من قول الامام: (أن الدعي بن الدعي قد ركز بين أثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة) فالسلوك الذي انتهجه الطاغوت آنذاك هو نوع من الانحراف الذي دفع الإمام الحسين (ع) الى استعمال القوة والسيف لإصلاح مجمل الظروف السائدة في ذلك الوقت.
ويمكن تأشير الميزات الرئيسية التالية للنهضة الحسينية:
اولاً: تجسيد النظرية في التطبيق
إن نهضة الإمام الحسين (ع) قد سارت وفق الطرح الإسلامي، ويتجسد ذلك في رفض الامام (ع) ثوريا لحالة الإنحراف، وقد تحرك (ع) من اجل تغيير ذلك الوضع الشاذ والقضاء عليه، حيث ان أي وسائل رفض له تقل عن مستوى النهضة لا تكفي لمعالجته، ولا تكون بمستوى ما هو قائم من الانحرافات على ارض الواقع.
فقد كان الانحراف من الخطورة بحيث لا يكفي لعلاجه الرفض القلبي أو القولي المجرد، فالمفاهيم الاسلامية موجودة ويمكن لأي مسلم ان يصل أليها عن طريق الرجوع الى مصادرها، أي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، كما ان الأمة لا تحتاج الى إرشادات محضة لكي ترجع الى طريق الرشد، بل تحتاج الى صدمة حقيقية تعيدها الى ما فقدته من دوافع أسلامية رسالية مع الزمن.
وعليه، فلا يمكن للقائد ان يختار الطريق الذي اختارته الأمة آنذاك وهو السكون والصمت، بمعنى لايجوز غض النظر عن الخطر الكامن على الاسلام، أي خطر تحويل الاسلام الى مسيحية جديدة، فالصمت هو الذي ادى لانتشار تلك الاديان وكتب التحريف.
ولولا مواجهة هذا الانحراف لأمكن للقائد الإمام (ع) الابتعاد عن تعريض نفسه لخطر الموت والقتل، ولأختار طريق السلامة، ومارس دوره بطريقة أخرى، كما يدلنا على هذا الامر أمير المؤمنين (ع) عندما يقول:(لأسألمن ما سلمت أمور المسلمين)، فالمسلم أنما يكون في حال سلامة الدين وسلامة أمور المسلمين لا في الوضع الذي صنعه معاوية ويزيد...
وهذا الموقف الحازم في استعمال السيف والمقاومة كما يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (طاب ثراه) قد جاء غبار وضعه الطاغوت وهو (السلة أو الذلة) فأصبح المبرر كافياً لخوض غمار الحرب.
كا ان قضية الشهادة كمشروع في طريق الجهاد غير تسليم النفس الى الموت.
فيقول قدس سره الشريف:(الوجه الثاني للشهادة ان لا يقتل المؤمن اعتباط) فقد قال الله سبحانه وتعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) فمن غير المشروع لأي انسان ان يترك الاخر يقاتله على باطل دون ان يقاومه بما أن الاسلام يرفض اي تسليم لغير الله تعالى.
ثانياً- اللاعنف
لقد طرح السيد الشيرازي (رحمه الله) اللاعنف كمنهج أساسي في العمل الرسالي، ورفضه للعنف بصورة قاطعة، نظراً لكونه المنهج المتبع من قبل الانبياء والائمة (عليهم السلام) محاولاً في الوقت نفسه التمييز بين مفهوم الوقاية والدفاع من جهة، ومفهوم العنف من جهة اخرى، فليس في معنى اللاعنف ان لا يقي الانسان جسمه من الصدمة الموجهة إليه، فهو وقاية في هذه الحالة وليس عنفا.
وقد أكد الاسلام على السلم والدعوة الهادئة والعمل اللين في سبيل تأكيد التسامح واللاعدوانية.
فعندما يأمر الله تعالى موسى النبي (ص) بأنذار فرعون يقول له:( أذهبا الى فرعون أنه طغى*فقولا له قولا لينا)، وعندما يأمر الرسول الكريم بالدعوة الهادئة غير المتشنجة يقول الله تعالى له: (ادفع بالتي هي أحسن).
ويقول الإمام الحسين (ع): (إني لم أخرج اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) والاصلاح امر وقائي، لأنه علاج للانحرافات التي كانت قائمة، وللتوقي من الوقوع في مطبات الانحراف الأبعد.
ثالثا- الحرية في التعامل مع رجال النهضة
لقد طلب الامام الحسين (ع) ممن لا يرغب في البقاء ان يغادر: (اتخذوا سواد هذه الليلة جملاً) وهو أمر يأتي في سلسلة المثل العليا التي اثبتها الإمام في ثورته، فقد قال (ع): (أن القوم ليسوا يقصدون غيري، وقد قضيتم ما عليكم فانصرفوا، فأنتم في حل مني) فقالوا:(لا والله يا أبن رسول الله حتى نكون قبل نفسك).
وحسب رأي الامام الشيرازي رحمه الله، ان هذا التخيير رسالة تاريخية توضح ان من كان معه هم احرار في كل شيء.
فلم يجبرهم الامام (ع) على اللحاق به بل خيرهم فأختاروا البقاء مع الحق، ولم يكن في معركة كربلاء احتمال للحصول على غنائم، بل كان الموت هو الشيء المتوقع، وهذا مايدل على ان أصحاب الحسين (ع) لم يكونوا عبيداً للغنائم... ولم ينقصهم الأمان الذي أعطي لبعضهم من قبل معسكر يزيد، فما تحرر منه اصحاب الإمام (ع) هو الخوف والخنوع والطمع ليكونوا عكس مسيرة التيار العام القائم على عبودية الخوف.
فقد احتوت النهضة الحسينية نخبة صالحة من المجتمع، وهو أمر مهم لأن مسؤولية التغيير إنما تحمل من لدن أناس يتميزون بشروط اسلامية عالية، وفي مقدمتها التحرر من الشوائب التي تحد من صفاء النية، فيقول الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) فالانتصار مشروط بالجهاد الخالص في سبيل الله، ومن شروط هذا الجهاد الصفاء واللاإكراه.
رابعاً- الاعلام مكمل للثورة
لقد قامت النهضة الحسينية في صحراء منقطعة، وهو ما يمكن ان يعرضها للفناء والضياع، لكن الطاغوت نفسه أعان على انتشار الثورة وامتدادها الى ارجاء البلاد الاسلامية، عندما أسر النساء ودار بهن في البلاد.
فأستغل الامام علي بن الحسين السجاد (ع) وزينب بنت الإمام علي عليهما السلام هذا الامر ووضفوه لخدمة الاصلاح، فأصبح اسر حرمات أهل البيت مؤثراً أعلامياً من جانبين:
الأول: الخطب التي القاها الأمام السجاد والسيدة زينب في الكوفة، والتي تضمنت التأنيب والتذكير بالخذلان.
ثانيا: بيان طبيعة المأسور، فقد كان من النساء، ولسن نساء عاديات بل كن بنات النبي محمد (ص)، وهو أمر أسهم كثيراً في تفاقم الحقد على النظام الاموي.
خامساً- استهداف الامة
بملاحظة نص الامام الحسين عليه السلام (إني لم اخرج اشراً ولا بطراً...) من جهة والانحرافات القائمة قبل الثورة واثنائها من جهة ثانية، والنتائج التي ترتبت على الثورة من جهة ثالثة: نجد أن الاساس المباشر في ثورة الامام الحسين (ع) هو الامة، ان التغيير لا يتم بقوة خارقة، وأنما يكون وفق شروط محددة، ومن اهم هذه الشروط مشاركة الامة في عملية تغيير النظام.
فالنبي (ص) قام بتغيير النظام القائم على اساس الشرك والظلم بمشاركة الامة في عملية التغيير في شبه الجزيرة العربية، وخاض الامام علي (ع) عملية تغيير الوضع المتأزم في البصرة وانتصر في معركة الجمل.
فالهدف المباشر في مثل هذه الظروف هو إعادة الامة الى التزاماتها وهمومها الرسالية.
لذلك فإن عملية التغيير تحتاج الى ثلاثة مقومات تتمثل بالقائد والقاعدة والمفهوم، فأذا كانت النهضة قد تضمنت القائد والمفهوم الاسلامي الذي يحمله القائد، إلا انها لم تكن تمتلك القاعدة التي هي الامة، بل كانت تمتلك نخبة، لا يمكن ان تقوم مقام مجموع المجتمع.
فما أراده الامام (ع) هو أن يصدم الامة ويشعرها بالاثم، ليحرك احاسيسها وضرورة التكفير عن استغفالها بعد أن جمدوا حركة ابنائها وحولوها الى أمة فارغة لا قيمة لها، فهذا الشعور هو الذي دفع الامة الى الخروج والوقوف بوجه التزييف الاموي.
...........................................................
المصادر/
كتاب رؤى عن نهضة الامام الحسين (ع) للإمام الشيرازي (قده)
إضافة تعليق جديد