المفتي قبلان: ليكن استشهاد الإمام الحسين(ع) محطة تقودنا إلى التحاور والتلاقي
حاوره: نسيب شمس
إن ثورة الإمام الحسين(ع) ليست للشيعة ولا لفئة من المسلمين بل هي صرخة في ضمير البشرية وبخاصة في ضمير المسلمين ودعوة دائمة لأن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، والمسلمون مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يدركوا المخاطر المحدقة بهم وأن يقرأوا جيداً ماذا يدور من حولهم، فهذه غزة وهذه سوريا ومن قبلهما العراق ولبنان والسودان واليمن كلها محطات عدوانية بامتياز تستهدف الأمة دولاً وشعوباً وتجهد لإنهاكها وتفريغها من كل المقومات التي تمكنها من النهوض وإكمال مسيرتها نحو التقدم والازدهار.
البديع: لماذا يواصل شيعة أهل البيت(ع) إحياء مراسم عاشوراء برغم مرور وقت طويل على المأساة؟
المفتي قبلان: الدر النفيس كلما حككته ازداد زهواً ولمعاناً. كذلك هي عاشوراء كلما أحييناها واستحضرناها وعشنا مراحلها ومحطاتها مع الإمام الحسين(ع) نجد أن العقيدة قد تثبتت والنفوس قد تذخرت بالإيمان فنرى في الإمام الحسين(ع) نبراساً لها وبكربلاء عنواناً لملاحم البطولة والفداء التي عمقت قيم العدل والحرية والمساواة وحفظت للإنسان هويته الإنسانية حينما تجلّى الحق بأسمى صوره والباطل بأسوئها، في مواجهة مكشوفة بين المصلح والمفسد والعادل والظالم والمرشد والمضل والواعي والمتخلف، لقوله عليه السلام:"مثلي لا يبايع مثله".إن ثورة الإمام الحسين(ع) تعني انتصار الحق فكراً وقيماً وقراءتها تجاوزت حدود كربلاء لتعبر في المديات الأبعد إلى رحاب الإنسانية الشامل وتتحوّل إلى محطة إصلاحية كونية تحتم التحديات التي تواجه البشرية العودة إلى كربلاء الثورة ودورها في تحديد الاستلهامات الإيمانية والإسلامية والإنسانية والمغازي من العطاءات والتضحيات في كل مفردة من مفردات هذه الثورة العظيمة التي ستبقى منهل عطاء ومنارة استهداء لكل عشاق الحرية والكرامة.من هنا نجد في إحياء مراسم عاشوراء ضرورة إنسانية وحاجة ثقافية وحضارية وتربوية لرفد النفوس وتزكيتها على التأسي بالإمام الحسين(ع) فكراً ونهجاً ومسلكاً كي لا تخلو الساحة من رواد الحق وجنود الإيمان مهما بلغ جبروت الظالمين.
البديع: حدثنا عن أبعاد استشهاد الإمام الحسين والعبر التي يمكن أن نعتبر منها؟
المفتي قبلان: حينما يتلقَّى الإنسان وريقات التَّاريخ بدم ما زال عبيطاً، فهذا يعني أنَّ وجع التَّاريخ كوَّرته يد الإنسان. تماماً، هذه آخر حروف، نسجتها دماء الإمام الحسين وهو يحكي قصَّة الإنسان والوجود والسُّلطة، والآمال المعقودة على قوسِ المعابرِ إلى الله العظيم. هناك، وهو على موعد من ألف لسان، أكَّدَ الإمام الحسين أنَّ لغة الأشياء، لا تَفِي للحياة إلاَّ إذا عَمَّدَهَا "دمُ الحياة"، تأكيداً منه(ع) على أنَّ العدل هو حَرْف قبل أن يكون قَنَا، ومعرفة قبل أن يكون رغيفاً، وعفَّة قبل أن يكون وظيفة، وإلاَّ، فإنَّ تضييع "اللغة السَّماويَّة" هو قتل للهويّة وإماتة للوجود، وسفاهة يمكنُها أن تحوِّل السُّلطة والإمكانات إلى حريق يلتهم كلَّ شيئ. هنا كان سِرُّ الإمام الحسين حيث أكَّد أنَّ أوَّل حروف الإنسان معقودة على أوَّله من الوجود، ومحلِّه من "هرم الأبد"، وإلاَّ تحوَّلت السُّلطة والثروة والكراسي إلى حرائق تأكل السُّلطة والثروة والإنسان. وضبطاً لهذا المعنى، فإنَّنا نُؤكِّد أنَّ "عاشوراء هي لغة الحياة الكريمة والأبيَّة، التي لا تقبَل تحويل السُّلطة إلى مغنَم والجاه إلى استئثار وحالة اسبداد، عاشوراء ملحمة في القيم ومدرسة تتزاحم فيها العبر بحيث لا تستقيم إنسانية من دونها ولا تقوم حضارة على نقيضها، جسّدها استشهاد الإمام الحسين(ع) وحوّلها إلى صرخة مدوية في عالم الإنسانية تحاكي قضية الإنسان وتنادي كرامته في كل مكان وزمان، بعيداً عن الانتماءات والولاءات والألوان، لقوله صلوات الله وسلامه عليه: "الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".من معاني النفع والكرامة وحقوق الإنسان ومن مقولة:"الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" انطلقت ثورة الإمام الحسين(ع) لتكون عبرة لكل مظلوم وحافزاً لكل طالب حرية ومستنداً لكل من يرغب بأن يعيش عزيزياً كريماً وعبداً حقيقياً لله تبارك وتعالى تدفعه إرادة الموت إلى مناهضة الباطل ومناصرة الحق الذي من أجله سالت دماء الإمام الحسين(ع) فروت ولادة أمة ورسخت مقولة رسول الله(ص):"حسين مني وأنا من حسين".
البديع: كيف يمكن جعل عاشوراء مناسبة لوحدة المسلمين وليس التفريق والتحريض بينهم؟
المفتي قبلان: المسلمون مأمورون بالوحدة ومسؤولون عنها، لقوله تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) وقضية وحدتهم أساسية وواجب ينبغي على كل معني في الأمة الإسلامية أن يؤديه ويكون حريصاً وصادقاً في تعاطيه مع هذا الواجب بوعي كبير حتى لا نقع في الأفخاخ التي ينصبها أعداء المسلمين وفي مقدمهم العدو الصهيوني.لذلك ونحن في رحاب عاشوراء ندعو المسلمين إلى توحيد صفوفهم وعدم تفرق كلمتهم وتعاونهم على البر والتقوى كي نتمكن جميعاً تحت راية الإسلام، راية الحق، راية الإمام الحسين(ع) من الوقوف بقوة في مواجهة قوى الاستكبار ومنعهم من إضعاف المسلمين واستنزاف ثرواتهم، مستفيدين من مفاهيم هذه المحطة الإسلامية التاريخية ونهجها في رفض الباطل والاستشهاد في سبيل الحق مهما غلت التضحيات.إن ثورة الإمام الحسين(ع) ليست للشيعة ولا لفئة من المسلمين بل هي صرخة في ضمير البشرية وبخاصة في ضمير المسلمين ودعوة دائمة لأن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، ومصداقاً لقوله تعالى (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ). والمسلمون مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يدركوا المخاطر المحدقة بهم وأن يقرأوا جيداً ماذا يدور من حولهم وماذا يحضر لهم، فهذه غزة وهذه سوريا ومن قبلهما العراق ولبنان والسودان واليمن كلها محطات عدوانية بامتياز تستهدف الأمة دولاً وشعوباً وتجهد لإنهاكها وتفريغها من كل المقومات التي تمكنها من النهوض وإكمال مسيرتها نحو التقدم والازدهار.فلنتعلم من ثورة الإمام الحسين(ع) وليكن لنا من استشهاده محطة تأمل وتفكر تقودنا إلى التلاقي والتحاور والتقارب وإفشال كل المخططات والسيناريوهات التي يحاولون من خلالها شق عصا المسلمين وإيقاع الفتنة في ما بينهم تحت عناوين المذهبيات والاثنيات والعرقيات.في ذكرى عاشوراء، نتوجه إلى المسلمين بكل فئاتهم وطوائفهم ومذاهبهم في بقاع الأرض وأصقاعها ليس للتقارب فحسب بل إلى التوحد والالتحام لأنه لم يعد جائزاً ولا مقبولاً أن يستمروا في التشتت والتفكك والانحلال في حين نجد أن أعداء هذه الأمة يفعلون فعلتهم ويكثفون سعيهم كي يبقى المسلمون في موقع الخاضع والمغلوب".
المصدر: البدیع
إضافة تعليق جديد