القاضي دريان: ليس في الأمةِ من يساوي أهل البيتِ في عظمتِهم وفضلِهم


إن الوحدةَ الإسلاميةَ اليوم أصبحت أشدَّ ضرورةً منها في أي وقت مضى، وهي ضرورةٌ تنبع من مصدرٍ ديني ولكنها تصب في مصلحة المسلمين جميعاً وفي مصلحةِ السلام العالمي بصفة عامة، وهي امتثالٌ لأمرِ الله تعالى في قوله: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.

ألقى رئيس المحاكم الشرعية السنية في لبنان القاضي الشيخ عبداللطيف دريان كلمة في مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بيروت في ذكرى عاشوراء استهلها بالقول: "في رحاب هذه الأمسية المباركة من أمسيات مجالس عاشوراء التي تقام بدعوة ورعاية كريمة من الشيخ عبدالأمير قبلان، نقف وإياكم اليوم نستذكرُ سوية بعضاً من سيرةِ وفضلِ أهل بيتِ النبوة الأطهار، الذين يجمعُ المسلمون بكافة مذاهبهم على حبهم لأنهم غصونُ الدوحةِ المباركة التي أصلها ثابت في الأرضِ وفروعها باسقة ممتدة إلى عنان السماء، والتي اصطفاها الله تعالى من بين خلقِه واصطنعها على عينه".
وأضاف الشيخ دريان: "أهل بيت النبوة هم فروعُ شجرةِ النبوة، ومنبعُ الرحمة، ومعدنُ العلم، وينابيعُ الحكمة، ناصرُهم ومحبُهم ينتظرُ رحمةَ الله ونفحاته، ومبغضُهم يستقبلُ نقمةَ الله وسطوتَه، والحديث عنهم هو حديث متواصل منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا، وإلى مابعد هذا اليوم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وستظل الأقلام تكتب والألسنة تتحدث عن مناقب أهل البيت وسر عظمتهم، لأنهم وجدوا فيها عظمة الله، وهيبة الحق، وقوة العلم، وكرامة الإنسان، واحترام الحياة، وجلال الكون، ولأنه ليس ثمةَ في الأمةِ من يساوي أهل بيتِ النبوة عليهم السلام في عظمتِهم وفضلِهم، ولايباريهم في شرفِهم ونسبِهم، ولايرتفعُ إليهم في مقامِهم ومكانتهم، فهم عيش العلم وموت الجهل، يخبرك حلمُهم عن علمهم، وصمُتهم عن حكمة منطقهم، لايخالفون الحق ولايختلفون فيه، هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه من منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لاعقل سماع ورواية".
وتابع سماحته: "هم الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، سورة الأحزاب، الآية (33)، حيث يرى جمهور العلماء أن هذه الآية هي منبع فضائل أهل البيت (ع) لاشتمالها على غرر مآثرهم واعتناء الباري عزوجل بهم حيث أنزلها في حقهم، فعن أم سلمة (رض) عنها قالت: عندما نزلت هذه الآية أرسل رسول الله (ص) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، وقال: (هؤلاء أهل بيتي، اللهمَّ فأذهب عنهم الرِّجْسَ وطهّرهم تطهيراً).
وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} سورة الشورى الآية (23)، ولما نزلت هذه الآية، قال الصحابة عنهم: يا رسول من قرابتُك الذين وجبتْ علينا مودتُهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما".

واسترسل الشيخ الدريان في رواية الأحاديث المتواترة عن فضائل أهل البيت فقال:
"وروى الديلمي والطبراني في المعجم الكبير وأبو الشيخ وابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعاً عن النبي (ص)  أنه قال: (لا يؤمن عبد حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وتكون عترتي أحبَّ إليه من عترته، وأهلي أحبَّ إليه من أهله، وذاتي أحبَّ إليه من ذاته).
وروى الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله (ص) يوماً فينا خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: (فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسولُ ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم كتابَ الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتابِ الله واستمسكوا به، وأهلَ بيتي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أهل بيتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أهل بيتي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أهل بيتي).
وفي رواية الإمام الترمذي: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتابُ الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهلُ بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلُفُوني فيهما).
وروى الترمذي والحاكم عن ابن عباس عن النبي (ص)  أنه قال: (أحبوا الله لما يَغْذُوكُم به من نعمِهِ، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي).
وروى الديلمي عن الإمام علي(ع) عنه عن النبي (ص) (أثبتكم على الصراطِ أشدُّكم حباً لأهل بيتي وأصحابي).
وأخرج الديلمي عن النبي (ص) أنه قال: (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: على حُبِّ نبيكم وحُبِّ أهلِ بيته وعلى قراءة القرآن).
وأخرج أيضاً عن الإمام علي (ع) عن النبي (ص) أنه قال: (أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة: المُكرِّمُ لذريتي، والقاضي لهم حوائجَهم، والساعي لهم في أمور دينهم عندما اضطروا إليه، والمُكرِّمُ لهم بقلبه ولسانه).
وروى الإمام البخاري عن أبي بكر الصديق (رض) عنه أنه قال: (ارقُبُوا محمداً في أهل بيته، والذي نفسي بيده لقرابةُ رسول الله (ص) أحبُّ إلي أن أَصِلَ من قرابتي).
وروى الدارقطني عن عمر بن الخطاب (رض) قال: (تحببوا إلى الأشراف وتوددوا، واتقوا على أعراضِكم من السفلة، واعلموا أنه لايتم شرفٌ إلا بولاية علي بن أبي طالب ومودته)".

وبعد هذا العرض المسهب للروايات الصحيحة عند أهل السنة في منزلة أهل البيت وفضائلهم، أوضح الشيخ الدريان قائلاً: "إن الحديث عن مناقب أهل بيت النبوة حديث لايمكن أن تختصره كلمات، وسيبقى المؤرخون والمحدثون وأهلُ السير والعلماءُ والفقهاءُ -من سنة وشيعة على حد سواء-  يتحدثون عن حب أهل بيت النبوة وحبِّ الصحابة لأهل بيت النبوة، وحب أهل بيت النبوة لصحابةِ رسول الله (ص)، لذا علينا من منطلق حبّنا لنبي الإسلام أن نعيد قراءةَ التاريخ الإسلامي بيقينِ الحقيقة لا بالتوهّم والشك بحيث لانترك مجالاً للجاهلين والعابثين والحاقدين أن يحرفوا في سيرة أهل البيت وسيرة الصحابة الذي قال فيهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه (أصحابي كالنجوم بإيهم اقتديتم اهديتم)".
وأضاف الشبخ الدريان: "وفي رحاب هذه الأمسية المباركة من مجالس عاشوراء نقف وإياكم بإجلال في محرابِ الشهادة، محرابِ سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، الذي قال فيه النبيُ المصطفى صلواتُ الله وسلامه عليه في الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد والترمذي بعد أن أخذ بيده وبيد أخيه الحسن عليه السلام: (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
إن حياةَ العظماءِ المصلحين مصدرُ إشعاعٍ دائمٍ للفكر والروح والوجدان، ومنهلٌ عذبٌ للخيرِ والعطاء، وينبوعٌ فياضٌ بالحكمةِ والكمالِ والمعرفة، تستوحي الأمةُ منها في حاضرِها ومستقبلِ أيامها الإيمانَ الصادق، والعقيدةَ الراسخة، والثباتَ على الحق، والأخلاقَ الفاضلة، والمُثـلَ العليا، ومعانيَ الكرامةِ والعزة، حياتهم مدرسةٌ كبرى للإنسانية في فكرِها وثقافتها، ومعالمُ وضاءة لتحقيقِ مبادىءِ الحقِ والعدالة. قليلٌ هم أولئك الذين يتصدرون قممَ السموِ والعظمة، وقلةٌ هم أولئك الذين ينفصلون عن مجرياتِ الزمان والمكان ليكونوا ملكاً للحياة ومثلاً أعلى للإنسانية.
أولئك القلةُ هم عظماءُ الحياة، وأبطالُ الإنسانية، ولذلك تبقى مسيرةُ الحياةِ ومسيرةُ الإنسانِ مشدودةَ الخطى نحوهم... وما أروعَ الشموخَ والسمو والعظمة إذا كان شموخاً وسمواً وعظمةً من صنعِ الإيمان بالله تعالى، ومن صياغةِ التربية النبوية الشريفة. من هنا كان السمو والشموخ والعظمة حقائق حية لرجالاتِ المبدأ والعقيدةِ والنهوضِ والإصلاح، ومن هنا كان في دنيا المسلمين تاريخٌ مشرقٌ نابضٌ بالحياة، وقممٌ من الرجال صنعوا العظمة في تاريخه، وأضاءوا النورَ في دروب البشرية".

وتابع سماحته: "وإذا كان للتاريخ أن يقفَ وقفة إجلالٍ أمام أروعِ أمثولةٍ للشموخ... وإذا كان للدنيا أن تكبِّرَ لأروعِ تضحيةٍ سجلها تاريخُ الفداء... وإذا كان للإنسانيةِ أن تنحني في خشوعٍ أمام أروعِ أمثولةٍ للبطولة... فشموخُ الحسين وتضحيةُ الحسين وبطولة الحسينُ أروعُ أمثلةٍ شهدها تاريخ الشموخ والتضحيات والبطولات والفداء. إنه عليه السلام قمةٌ من قممِ الإنسانية الشامخة، وعملاقٌ من عمالقةِ البطولة والفداء، فالفكرُ يتعثر واللسانُ يتلعثم، واليراعُ يتلكأ، عندما يقف الفكر واللسان واليراع أمام إنسان فذّ كبير كالإمام الحسين، وأمامَ وجودٍ هائلٍ من التألقِ والإشراقِ كوجود الحسين، وأمامَ إيمانٍ حيٍ نابضٍ كإيمانِ الحسين، وأمام سموٍ شامخٍ عملاقٍ كسمو الحسين... وأمام حياةٍ زاهرةٍ بالفيضِ والعطاءِ كحياةِ الحسين. إننا لا يمكن أن نلجَ آفاقَ العظمةِ عند الإمام الحسين إلا بمقدار ما نملك من محبة ٍ عارمةٍ لأهلِ بيتِ النبوة،  وانكشافٍ في الرؤية والتبصر، وسموٍ في الروح والذات... فكلما تصاعدت هذه الأبعاد، واتسعت هذه الأطر، كلما كان الانفتاحُ على آفاقِ العظمة في حياة الإمام الحسين أكثرَ وضوحاً وأبعدَ عمقاً... فلايمكن أن نعيشَ العطاءَ الحي لفيوضاتِ الحسين، ولايمكن أن تغمرَنا العَبقاتُ النديّة والأشذاءُ الرويّة لنسمات الحياة تنسابُ من أفقِ الحسين، ولايمكن أن تجللُنا إشراقاتُ الطهرِ تنسكب من أقباسِ الحسين إلا إذا حطمت عقولُنا أسوارَ الإنغلاق على النفس، وانفلتت من أسر الرؤى الضيقة، وتسامت أرواحُنا إلى عوالم النبلِ والفضيلة، وتعالت على الحياةِ المثقلة بالفهم المادي الزائف".

وأوضح قائلاً: "فيامن يريدُ فهمَ الحسين، ويامن يريدُ عطاءَ الحسين، ويامن يتعشقُ نورَالحسين، ويامن يهيمُ بعلياءِ الحسين، افتحوا أمامَ عقولكم منافذَ الانطلاق إلى دنيا الحسين، وحرّروا أرواحكم من اثقالِ التيه في الدروب المظلمة المعتمة، بذلك تنفتح دنيا الحسين، وعند ذلك تتجلى الرؤيةُ وتسمو النظرةُ ويفيضُ العطاء.
فأعظم بإنسان.. جدُّه محمدٌ سيد المرسلين، وأبوه عليٌ الإمام بطلُ الإسلام، وأمه الزهراءُ فاطمة سيدةُ نساء العالمين، وأخوه السبط الحسن ريحانة الرسول، نسبٌ مشرقُ وضّاء من بيتٍ زكيٍّ طهور.  
إن شخصيةَ الإمام الحسين عليه السلام هي شخصيةٌ فريدةٌ متميزة في نوعِها تتجسدُ القيمُ الإسلاميةُ في كل أبعادِها وتفاصيلها، إذ ترعرع في بيتِ النبوة المحمدي على الذكرِ والتقوى والفقهِ والصلاحِ والشجاعةِ والفصاحةِ، وهي شخصيةٌ تمثلُ القيمة الإنسانية الروحية التي انفتحت على شريعةِ الله أوسعَ انفتاح، وعايشت عمقَ المفاهيم الإسلامية كأعمقِ مايكون العمق، وانطلقت مجسدةً تعاليمَ الإسلامِ بكل القضايا المتصلة بالإسلام.
لقد كان الحسين بحكمِ نشأتِه وتربيته ومزاياه الفطرية من أكرم بيت وأشرف خَلق، مؤمناً أصدقَ الإيمان بالله تعالى، حريصاً أشد الحرصِ على شريعة الإسلام أن يمسها أحدٌ مهما علت منزلته بسوء، صلباً أشد الصلابةِ في إحقاق الحق ومراعاة أحكام الدين القويم، لاتأخذه في الله لومة لائم... كان هذا شأنه، ومن كان هذا شأنُه وهذه مبادؤه ومعتقداتُه كان من العسير عليه أشدَّ العسرِ، لابل من المستحيلِ أعظمَ ما تكون الاستحالة، أن يغضَّ الطرفَ أو أن يرضى بالزيفِ الصارخ والانحرافِ عن نهج الدين القويم وإنكارِ حق الأمة في التشاور والاختيار".
وتابع الشيخ الدريان: "سيرة الإمام الحسين عليه السلام هي مسيرةُ الإصلاحِ والتضحية، وهي قصةُ الصراع العنيف بين اتجاهين:

- اتجاه الإصلاحِ والخيرِ والأريحيةِ والحريةِ والعدالةِ والتضحيةِ، وكلّ ما يرتفع بالإنسان من دركِ الدونية والفساد إلى أوجِ البراءة والنقاء والصلاح.
- واتجاه الشرِّ واللؤمِ والاستبعادِ والظلمِ والقهر، وكل ما ينحدرُ بالإنسان إلى حضيض المهانةِ والانحطاط.
وإنه ... (عليه السلام) وأمام هذين الاتجاهين وبعد طولِ تأملٍ وتفكيرٍ واستماعٍ إلى المشيرين بالإقدامِ، والناصحين بالنكوصِ والإحجام، وبعدما تبدى لعينيه العجبَ العجاب من ثباتِ العامرةِ قلوبُهم بالإيمان، وتهافت الخائرةِ نفوسهم والمجبولةِ قلوبهم على إيثار الخذلان والاستسلام، أقدم على خوض المعركة واضعاً نصب عينيه الإنتصارَ للحق أو الشهادةَ بعزٍ وكرامةٍ في سبيل حق آمن به، وتحملَّ من أجلهِ ما لايتحمله إلا أولو العزم من الرجال، فكان باستشهادِه سيدَ الشهداء، قدم للبشريةِ ولأمتهِ أبلغ شهادةٍ تنطوي على أسمى معاني الإستشهاد في سبيلِ أسمى قضيةٍ هي قضيةُ الإصلاحِ والعدالة في أمة جدِّه محمد عليه الصلاة والسلام".
وخلص الشيخ الدريان قائلاً: "ونحن نقف اليوم في محراب استشهاد الإمام الحسين، علينا أن نستلهم العبر من السيرة الحسينية التي هي في الحقيقةِ سيرةُ وحدة الأمة الإسلامية الرحبةِ والعميقةِ كرحابةِ وعمقِ الإسلام، تاركين ورافضين شعاراتِ التفرقة والتمذهبِ المسيئةِ إلى الوحدة الإسلامية، لنقدمَ عبر تجديد الخطابِ لهذه السيرة رمزاً للوحدةِ الإسلامية التي هي أساسُ الدائرةِ الإسلاميةِ الواسعةِ المنفتحة على الإنسانية كلها.
من مجالسِ عاشوراء نحن بحاجةٍ ماسة إلى وحدتنا الإسلامية، وبحاجة ماسةٍ إلى النهجِ والفكرِ الحسيني الذي هو في حقيقته النهجُ الإسلامي في الإصلاحِ والعدالةِ والتضحيةِ والفداءِ والثورةِ على الظلمِ والاسـتبدادِ والاسـتعباد، لمواجهة التحديات وما يحاك لأمتنا من مؤامرات ومكائد، وما يفرض عليها من مشاريعِ إذلالٍ ومناهج قهرٍ وذلٍ واستعباد.
إن الأخطار التي تهدد وجود أمتنا الإسلامية اليوم هي أخطار تفوقُ التصور، وإن من أهمِ العواملِ التي تمكن أعداءَ الأمةِ منا يتمثل في الفرقةِ والتنازعِ والصراعاتِ المدمرة المتعددة الأبعاد بين المسلمين أنفسِهم، سواء كان هذا التنازع أو التفرق في أمور الدين أو الاختلاف السياسي الذي يغلِّب المصالح الشخصية الضيقة على المصالح الإسلامية العليا.

ونحن في لبنان ومع ارتفاع منسوب القلق على وحدتنا الإسلامية، وتفشي الخطاب التحريضي المذهبي المقيت، ندعو الجميع إلى التنبه واليقظة لمخاطر الخطابات والتصريحات التي لاتخدم وحدتنا الإسلامية، بل تؤجج لفتنة بغيضة ملعونة، وندعو المرجعيات الإسلامية أكثر من أي وقت مضى إلى مزيد من التشاور والتلاقي لصيانة الوحدة الإسلامية من التفكك والتمزق، وشجب واستنكار أي خطاب مذهبي من أي جهة كان يثير الغرائز ويمهد لمشاريع فتن لاتبقي ولاتذر، ولايخدم مصلحة المسلمين الحريصين على التقارب والتفاهم ونبذ التعصب للخلافاتِ المذهبية في أمور الدين، والتناحر من أجلِها، فقد آن الأوان لأن ندرك جميعاً أن الإسلامَ في حقيقته وجوهره لا يعرفُ التصنيفاتَ المعتادة من سنة وشيعة وفقهاء ومتصوفة وسلفية وأشعرية ومعتزلة وغير ذلك من مسميات، وعينُ اليقين أنه لاذنبَ لأي مسلمٍ من المسلمين اليوم في أي نزاعاتٍ حدثت بين الأسلافِ في الماضي وأدت في بعض الأحيان إلى صراعاتٍ دامية، فهذا تاريخٌ مضى وانقضى، سلمت منه أيدينا فلتسلم منه ألستُنا.
على الأمة أن تجتمعَ على ما تتفقُ عليه، وعلى المسلمين أن يعذرَ بعضهم بعضاً فيما يختلفون فيه، فالجميع مسلمون والقرآن الذي يتلونه صباحاً ومساءً لاخلاف عليه بينهم، وعلى المسلمين أن يدركوا أن الأخطار التي تهددهم في عالم اليوم لاتفرق بين سني وشيعي أو درزي أو علوي، ولا بين حنفي أو جعفري أو شافعي أو حنبلي أو مالكي أو زيدي أو أباضي، فالجميع مستهدفون بوصف واحد هو أنهم مسلمون".
وأضاف: "إن الوحدةَ الإسلاميةَ اليوم أصبحت أشدَّ ضرورةً منها في أي وقت مضى، وهي ضرورةٌ تنبع من مصدرٍ ديني ولكنها تصب في مصلحة المسلمين جميعاً وفي مصلحةِ السلام العالمي بصفة عامة، وهي امتثالٌ لأمرِ الله تعالى في قوله: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، وهي بلا شك ستقوي جانبَ المسلمين وتزيدُ من تعاونهم فيما بينهم في جميع المجالات مما يزيدُهم قوة، ويجعلهم أقدرَ على العمل من أجل تقدمِ بلادهم والإرتقاءِ بشعوبهم، وتجعلهم أقدرَ على المشاركة الفعالة في صنعِ السلامِ في العالم، والإسهامِ بدور حاسم في تقريرِ مصيره لأنه عالمُنا جميعاً.

ونحن في لبنان ومع ازدياد التأزم السياسي على كثير من القضايا الوطنية وما يرافق هذا التأزم السياسي من فقدان الأمن المتنقل من منطقة إلى أخرى، ومن السيل الدافق من التصريحات والبيانات الإعلامية التي تزيد من الشرخ بين الفرقاء، وتجعل وطننا لبنان عرضة لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، ندعو الجميع إلى  تهدئة النفوس وعقلنتها، واعتماد الخطاب الرزين والرصين والمتزن الذي يؤدي الى تحقيق المصلحة العامة ويبعدنا عن كل مصلحة خاصة أو منفعة ذاتية وظرفية، وتكون فيه مصلحة الناس والوطن هي المتقدمة على كل المواقف وكل المطالبات الأخرى التي لانجد فيها سوى ما يؤزم الأمور ويعقدها، ويبقينا في هذه الدوامة التي لن تكون بالتأكيد في النهاية لمصلحة أي فريق في لبنان، وسيكون المستفيد الأول والأخير منها هو العدو الإسرائيلي".
وختم قائلاً: "وأما غزة ومواقف العزة في غزة، فإن الإعتداء الإرهابي الصهيوني الغاشم على أهلنا فيها يقتضي منا جميعاً على المستوى اللبناني والفلسطيني والعربي والإسلامي أن نتضامن ونتوحد ونرمي كل خلافاتنا جانباً ونتصدى لهذا العدوان بكل إمكانياتنا، فأطفال ونساء ورجال غزة الذين يقتلون على مذبح الأطماع الصهيونية الإستيطانية وعلى مذبح الاستثمار الانتخابي الصهيوني، يسطرون بدمائهم اليوم ملاحم البطولة والصمود في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وعلينا جميعاً أن نطالب المجتمع الدولي ومحافله ومؤسساته بتبني أمر واحد هو اعتبار ما قامت به إسرائيل عبر تاريخها الدموي في فلسطين وفي لبنان جرائم حرب يجب معاقبتها عليها، وتصنيف الكيان الصهيوني الذي قام على اغتصاب الأراضي العربية، وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، وحروب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، كما يحدث اليوم في غزة تحت أنظار العالم كله، هو كيان إرهابي عنصري بامتياز".

المصدر: البدیع

إضافة تعليق جديد