هيئة الأمر بالمعروف: صراع الدين والسياسة

«مصطفى المنشاوي»
في ظل الحاجة لتحسين دخله، قرر أحمد البلوي العمل كسائق أجرة لسيارته الخاصة في مدينة تبوك الواقعة شمال السعودية.
وبينما كان البلوي ينقل سيدة تتعدي الخمسين عاما بناء على تكليف من ذويها في مايو الماضي، اعتقله أعضاء "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" تحت حجة الاختلاء بأجنبية.
لكن الرجل الذي ذهب إلى سجن الهيئة في صحة جيدة لم يخرج منها سوى "ملفوفا بكفن" حسب تصريحات لأحد أفراد أسرته.
ليست تلك الحادثة سوى واحدة من حوادث أخرى مماثلة أوردتها وسائل الإعلام السعودية في إطار الجدل حول سلوك الهيئة التي تتمتع بصلاحيات واسعة تشمل الرقابة على الأخلاق العامة والخاصة.
فقد توفي مواطن سعودي آخر - سلمان الحريصي - داخل مركز للهيئة في الرياض في نفس الشهر، كما لقيت عاملة آسيوية مصرعها في جدة بعد سقوطها من الطابق الرابع لدى مداهمة الهيئة شقتها.
لكن الأمر دخل إلى ساحات القضاء، حيث تم تقديم المتهمين بالمسئولية عن تلك الحوادث للمحاكمة للمرة الأولى في تاريخ الهيئة التي أنشئت عام 1940، بالإضافة إلى الحملات التي تشنها الصحافة المحلية لتحجيم دور الهيئة.

هنا تظهر ثلاثة أسئلة رئيسة، الأول: هل يعكس الاتجاه الجديد رغبة في إجراء إصلاحات داخل الهيئة؟

 الإجابة مركبة!
الصحف السعودية تشهد حملة ضد الهيئةقد يجيب البعض على السؤال بالإيجاب، مؤكدين إمكانية تحسن أداء الهيئة في ظل الضغوط الداخلية و الخارجية المتصاعدة.
فقد أعلنت الهيئة تأسيس إدارة قانونية جديدة "مخولة لمحاسبة أي مخطئ من أعضاء أو مسؤولي الهيئة بحيث ستكون مرجعا لجميع المسؤولين فيها".
كما رفض مجلس الشورى مؤخرا مقترحا يوصي بزيادة التمويل الحكومى المخصص للهيئة التي تشمل حوالي 5000 عضو.
ويقول المحلل السياسي السعودي جمال خاشقجي لبي بي سي العربية إن هذه الإجراءات "تعكس رغبة حقيقية في الإصلاح تشمل تطوير هيئة الأمر بالمعروف والقضاء ومكافحة الفساد وغيرهما."
وقد يجيب البعض على ذات السؤال بالنفي، حيث أثبتت التجارب السابقة عدم جدية تلك الإجراءات الهادفة لمنع وقوع تجاوزات مماثلة.
ففي مايو من العام الماضي، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات أمرت بموجبها الهيئة بالامتناع عن التحقيق مع المعتقلين وتسليمهم إلى قوات الشرطة عوضا عن ذلك.
لكن شكاوى المواطنين السعوديين من وقوع ما يصفونه "بتجاوزات أخرى" لا تزال مستمرة، حسبما يؤكد معظم من تحدثت معهم من السعوديين.
تأسست الهيئة في عهد الملك سعودونشرت صحيفة الوطن السعودية في شهر إبريل الماضي إن ثمة زيادة في عدد المواجهات بين المواطنين السعوديين وافراد الهيئة وصلت إلى 21 حادثة في العام الماضي وحده بما فيها مشاجرات عابرة وإطلاق نار وطعن بالسلاح الأبيض.
و هو ما جعل أحمد العمران، وهو طالب جامعي يعيش في الرياض لا يرى في محاكمة بعض أفراد الهيئة سوى "محاولة شكلية لإسكات وسائل الإعلام واحتواء غضب المواطنين."
وكان القضاء السعودي برأ ثمانية عشر عضوا من الهيئة من تهمة التسبب في وفاة الحريصي، ووجه المسئولية إلى أحد المتعاونين مع الهيئة الذي شارك في العملية ولم يكلف بذلك رسميا حسب بيان للهيئة بعد الوفاة.

 فوائد متعددة
هنا يأتي السؤال الثاني: ما السبب وراء استمرار هيئة الأمر بالمعروف بهذه الصفة الدينية والصلاحيات الواسعة.
ربما السبب الأهم هو قوة التيار الديني المتشدد واسع النفوذ داخل الهيئة، والذي كان عنصر دعم رئيسي للعائلة الحاكمة التي تحالفت مع أتباع محمد ابن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية للسيطرة على المملكة العربية السعودية التي تأسست في 1932.
و بينما يرى اتباع بن عبدالوهاب سبب ضعف المسلمين في فساد العقيدة، اكتسبت أسرة آل سعود جانب من شرعيتها من خلال لعب دور المحافظ على تلك العقيدة عبر مؤسسات كهيئة الأمر بالمعروف، حسب المفكر البريطاني روجر أوين في تناوله لعلاقة الدين بالدولة في المملكة.
فالهيئة هي في الأساس "ترتبط مباشرة برئيس الوزراء ويعين رئيسها بأمر ملكي برتبة وزير"، حسب موقع الهيئة على شبكة الانترنت و الذي يشدد في نفس الوقت على أن الدولة هي التي "تحمي عقيدة الإسلام و تطبق الشريعة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر."
سعد الفقيهومن هذا االمنطلق يرى سعد الفقيه المعارض السعودي المقيم في لندن أن الهيئة ساهمت أيضا في تخلص النظام من معارضيه "تحت زعم مخالفتهم للدين".
سبب آخر هو شعبية وجود الهيئة رغم كل الانتقادات لأسلوب أدائها، حسبما جاء من حديثي مع العديد من السعوديين وجولتي عبر عدد من المدونات السعودية المختلفة.
فصاحب مدونة "نظم" وضع عنوان مقالته: "هيئة الأمر بالمعروف .. تاج على رؤوسنا،" طالبا من القراء الإطلاع على "إنجازاتها" التي ربما يقصد بها مكافحة الرذيلة والاتجار بالمخدرات مثلا.

 مأزق الإصلاح
يبقى السؤال الثالث والأخير: إذا كانت الهيئة تقدم كل هذه الخدمات داخل المملكة، فلماذا إذن يتم الحديث عن تحجيم دورها من قبل النظام و الهجوم عليها من قبل الصحف المحلية الخاضعة له؟
المراقب للأوضاع في السنوات الأخيرة قد يرى السبب الرئيس هو الضغوط الخارجية التي أدت إلى إضعاف التيار المتشدد وتشجيع انتقاد المؤسسات التابعة له كالهيئة التي كانت نشاطاتها الممتدة دوما محل جدل.
فمنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تتعرض المملكة لضغوط من الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات أكثر صرامة مع التيار الديني المتشدد، أو للسير في طريق الإصلاح السياسي أيضا.
وبينما يقول الفقيه إن الجدل حول الهيئة متعلق بالصراع بين تيار الإصلاحيين والمتشددين في المملكة، يعتبره آخرون أنه وسيلة لصرف الانتباه عن القيام بإصلاحات أخرى أكثر أهمية.
و هو ما يؤكده إبراهيم السعيد، رجل أعمال شاب، بسؤاله: "إذا كانوا يريدون محاسبة هيئة الأمر بالمعروف بهذه الصورة، فلماذا لا يبدأون بمكافحة الفساد أو إجراء انتخابات حقيقية أو تقليل معدلات البطالة،" كما يقول
و بينما يستمر الجدل داخل أروقة السياسة والإعلام، تستمر الهيئة في القيام كالمعتاد عبر حوالي 500 مركز في أنحاء متفرقة من الدولة بمهامها الممتدة حتى للرقابة على وسائل الإعلام ذاتها التي توجه إليها النقد.

 

المصدر: شبکة وهابیة. نت

إضافة تعليق جديد