نظرة إلی نداءات القائد آیة الله السید علی خامنئی إلی حجاج بیت الله الحرام طیلة 26 سنوات

قام قائد الثورة منذ عام 1989 وحتی الآن بإصدار نداءات یبلغ عددها 26 إلی الحجاج الذین یتشرفون بالحضور فی ملتقی الحج العظیم.

یشرح القائد فی هذه النداءات قضایا العالم الإسلامی بما فیها المواجهة بین جبهة الإیمان والکفر فی مختلف أشکالها، ویتحدث عن حکم وروائع الحج ومختلف أبعاده ویفتح آفاقاً جدیدة لفریضة الحج الإلهیة أمام عیون الأمة الإسلامیة.
والهدف من تقدیم هذا النص هو التمتع بالمضامین الثمینة التی تحملها هذه النداءات، وتقدیم مبادئ أساسیة لتصمیم الحیاة الإجتماعیة للموحدین. حقاً أن حجاج بیت الله الحرام لیسوا الشاربین الوحیدین من ینبوع الحج الفیاض فینبغی علی سائر المسلمین أن یلقوا علیه نظرة فاحصة حتی یجدوا فیه معارف تساعدهم علی إعادة بناء حیاتهم.
الحج فریضة فریدة
"المصالح والمنافع التی أودعها العلم الإلهی والحکمة الإلهیة فی فریضة الحج تبلغ من السعة و التنوع بحیث لا یری لها شبیه فی فریضة اسلامیة أخری " (نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1994م). " ولا ترقی الیه أیة فریضة أخری فی الإحتواء علی المعارف السامیة " (نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1998) ."یمکن القول بجرأة انّ هذا التکلیف الإلهی وحده، لو استثمر إستثماراً صحیحاً کما أرادته الشریعةُ الإسلامیة، لاستطاع بعد مدة غیر طویلة أن یبلغ بالامة الاسلامیة ما یلیق بها من عزة و منعة "(نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1992)، "فیجب علی المسلمین جمیعاً أن یتعرفوا علیه (الحج) أکثر فأکثر ویتمتعوا به أکثر من ذی قبل"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1996)، لکن "هل العالم الإسلامی إستطاع أن یستثمر منافع الحج؟"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1992م).
الحج وحیاة الإنسان الموحد
"الحج یعرض علی شاشته المضیئة البیّنة تصویراً کاملاً لحیاة الانسان الموحّد. و بعمل رمزی یلقن المسلمین درس الحیاة المتحرکة الهادفة. منذ ورود المیقات و حضور ساحة الاحرام و التلبیة والتروک حتی الطواف حول الکعبة والسعی بین الصفا و المروة، والوقوف فی محشر عرفات والمشعر و ما فیهما من ذکر و تضرّع و تعارف، و حتی وصول منی و أضحیتها و رمی جمارها و حلقها، ثم العودة الی الطواف والسعی … یتلقّی المسلم فیها جمیعاً دروساً واضحة بینة فی الحرکة الهادفة و الجماعیة والعارفة فی ساحة التوحید، وعلی درب الحیاة و حول محور «الله» سبحانه." ( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1993).
" الحیاة فی منهج الحج سیر دائم بل صیرورة مستمرة نحو الله. والحج هو الدرس العملی الحی البنّاء الذی یرسم لنّا طریق حیاتنا فی صورة عملیة مشرقة." ( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1993).
"الحج هو نقطة إشعاع المعارف الإسلامیة والمبیّن للخطوط العامة لسیاسة الإسلام فی تسییر شؤون الحیاة الانسانیة"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1989). "إذا تحلینا بالعقلانیة وتلقینا العبر والدروس نری بأن هذا الوعد السمائی یعم الحیاة الفردیة والإجتماعیة"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 2012).
وفی مواصلة النص نرید إلقاء نظرة موجزة علی بعض مبادئ وتوصیات من شأنها أن تساعدنا فی رسم الخطوط العامة للحیاة الإجتماعیة التوحیدیة. لأن الهدف الرئیسی من تقدیم النص هو ذکر أمثلة تبیّن قدرات الحج لصنع الثقافة وتعزیزها وإعادة بناء المجمتع.
1. التلازم بین التوحید والوحدة
مازالت الوحدة الإسلامیة إحدی أهم الهواجس لدی المصلحین والمفکرین المسلمین، وإحدی أبرز مبادئ وإستراتیجیات قائد الثورة لمعالجة مشاکل الأمة الإسلامیة الکبری. لکن ما هی الخطة العملیة لتحقیق هذا الهدف العظیم؟
یعتبر سماحة آیة الله الخامئنی حقیقة الوحدة نابعة من التوحید (تصریحات القائد فی إجتماع مسؤولی النظام عام 1998)، والعبودیة المخلصة طریق الوصول إلی الوحدة ( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1997)، ویعتقد أنه لوأحییت روح التوحید فی القلوب لأقتربت القلوب واتصلت الأجزاء الممزقة للأمة الإسلامیة الکبری ببعضها البعض( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1990).
یری سماحته " أن الحج الإبراهیمی هو الحج المحمدی الذی یتوجه فیه الناس الى التوحید والوحدة، والذی یحتل صدارة المراسم والشعائر"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1993). ویعتبر الکعبة رمز التوحید والوحدة ومظهر الأخوة والمساواة بین المسلمین( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 2009 و2010)، ویشبه مراسم الحج بشلال صاف یعطی الحجاج حقیقتی التوحید والوحدة( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 2004).
ووفقاً لما مر من القول فإن أکبر درس یقدمه الحج للأمة الإسلامیة هو أن التمسک بالتوحید یعتبر الطریق الرئیسی لتحقیق الوحدة وتوحید الصفوف.
2- التلازم بین التقرب إلی الله وإجتناب الطاغوت
من ضروریات الحیاة التوحیدیة سواءاً الحیاة الفردیة أو الإجتماعیة هو أن "کل شیء سوی الله یجب أن یمحی من أذهان وأفعال المسلمین، وأن تخلو حیاتهم من أنواع الشرک"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1991). لأن "التوحید بمفهومه القرآنی العمیق یعنی التوجه إلی الله ورفض الأصنام والقوی الشیطانیة"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1993).
فریضة الحج تعلّمنا بوضوح أن البراءة من کافة مصادیق الطاغوت والشرک یجب أن تسری دوماً فی حیاة الموحدین، وهذه البراءة هی الوجه الآخر لعملة التوحید مما یعنی أنها تلازم التوحید دوماً. "إن للحج فی ذاته عنصرین أساسیین: التقرب إلی الله فی الفکر والعمل، وإجتناب الطاغوت بالجسم والروح. فکافة أعمال وتروک الحج تأتی لتحقیق هذین العنصرین الذین یعتبران ملخصاً لجمیع الأوامر الإلهیة، کما قال الله تعالی: « ولقد بعثنا فی کلّ امّةٍ رسولاً ان ‌اعبدوا اللَّه واجتنبوا الطاغوت» "( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1995).
لکن ما هی مصادیق العوامل غیر الإلهیة التی قدنفذت فی أذهان المسلمین وتصرفاتهم؟ قال سماحة الإمام الخامنئی: "الیوم لانری أثراً من "اللات والمناة والعزی" لکن هناک أصنام أکثر خطراً بالنسبة إلیها وهی الأنظمة الإستکباریة والجاهلیة التی قدعمت أفکارها ومخططاتها حیاة المسلمین فی الدول الإسلامیة"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1991).
التبعیة للأنظمة الإستکباریة تعد فی الثقافة الدینیة شکلاً من أشکال عبادة الأصنام، إذ أنها تجبر عباد الله علی الإطاعة لها. "الصنم الذی یضطر العدید من أبناء العالم بما فیهم العدید من المسلمین إلی عبادته وطاعته هو الصنم الأمیرکی القوی"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1991). و"هذه العبادة والإطاعة التامة هی التی تفرضها الدول الإستکباریة وفی مقدمتها أمیرکا علی الشعوب، فتدفعها بأسالیب مختلفة إلیها"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1991).
3- التلازم بین إصلاح النفس وإصلاح الأمة
قد کانت طریقة الجمع بین إصلاح النفس وإصلاح المجمتع دوماً إحدی الهواجس لدی المؤمنین. إذ أن الجمع بین الوحدة والکثرة، والخلوة والجلوة، والحق والخلق یبدو غیر ممکن.
وصف قائد الثورة الحج بمجموعة واضحة وزاخرة من الحالات الروحانیة، ومن التنسیقات والمحاولات الجماعیة البناءة( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1998). بحیث تدفع القلوب إلی الله، وتنوّر خلوة الفرد بنور التقوی والإیمان، وتخرج الإنسان من النطاق الفردی إلی النطاق الإجتماعی الإسلامی المتنوع( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 2012). ویعتبر ساحة للإصطباغ بالصبغة الإلهیة والصبغة الشعبیة( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 2001).
الحج یعلّمنا أن الإهتمام بقضایا المسلمین والبراءة من طواغیت العصر لایتنافی أبداً مع الحالات الروحانیة للحجاج. الحج هو فرصة ثمینة لتهذیب النفس لکن لاینبغی للحاج أن یهتم بمجرد إصلاح وتهذیب نفسه ویتجاهل إصلاح المجمتع لأن هاتین الخطوتین تعتبران فی الواقع خطوة واحدة ولاتنفصلان عن بعضهما البعض. وقال سماحة الإمام الخامئنی فی وصف هذین البعدین للحج: " إصلاح النفس وإصلاح الأمة فریضتان دائمتان"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 2012).
4- التقرب الجماعی إلی الله
یبدو أن التقرب إلی الله یعتبر لدی الرأی العام الإسلامی أمراً فردیاً بالکامل، فلیست هناک ذهنیة واضحة عن التقرب الجماعی إلی الله. علی سبیل المثال عندما نشارک فی صلاة الجماعة بوصفها عبادة جماعیة نعتبرها مجموعة من الإرتباطات الفردیة لکل من المصلیین مع الله تعالی فلانری لهذه العبادة الجماعیة هویة مستقلة.
الإعتصام بحبل الله یعتبر أحد مصادیق التقرب إلی الله، والذی یتجلی کشأن جماعی فی أفکار آیة الله الخامنئی، قال سماحته حول هذا الموضوع: "قال القرآن: « واعتصموا بحبل اللَّه جمیعاً ولاتفرّقوا»؛ الإعتصام بحبل الله هو واجب علی کل مسلم، لکن هذا الواجب ینبغی أن یتم أداءه فی إطار جماعی، حسب ما ورد فی هذه الآیة. فعلی کل مسلم أن یعتصم بحبل الله برفقة سائر المسلمین"( تصریحات القائد فی مؤتمر الوحدة الإسلامیة عام 2006)
یری سماحته أن الحجاج یجب أن یعتصموا بحبل الله ویتقربوا إلی الله جمیعاً، وإلا لامعنی ولا فائدة فی الحضور فی مکة وصحراء عرفات والمشعر ومنی فی أیام معدوات( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 1989). فیمکن القول بثقة: "الحج إنما یکون للتقرب الجماعی إلی الله والبراءة الجماعیة من شیاطین الإنس والجن"( نداء القائد إلی ملتقی الحج عام 2004).
وفی ختام الکلام، یجب القول إن دروس الحج الواضحة قادرة علی إیصال المسلمین إلی مراتب ودرجات أفضل من التقرب إلی الله إلا أن هذا الهدف یتوقف علی إسراع المسلمین فی حرکة جماعیة نحو الحق والتوحید.

المصدر: قدس أونلاین

إضافة تعليق جديد