اهمية الغدير في التاريخ
((بيعة الغدير)) | |
إنّ واقعة غدير خُمّ هي من أهمّ تلك القضايا، لما ابتنى عليها، وعلى كثير من الحُجَج الدامغة، مذهب المُقتصّين أَثَر آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وهم معدودون بالملايين، وفيهم العِلم والسؤدد، والحكماء، والعلماء، والأماثل، ونوابغ في علوم الأوائل والأواخر، والملوك، والساسَة، والأُمراء، والقادة، والأدب الجَمّ، والفضل الكُثار، وكتب قيّمةٌ في كلّ فن. فإن يكن المؤرِّخ منهم، فمن واجبه أن يفيض على أُمَّته نبأ بدء دعوته؛ وإن يكن من غيرهم فلا يعدوه أن يذكرها بسيطة عندما يسرد تاريخَ أُمَّةٍ كبيرةٍ كهذه؛ أو يشفعها بما يرتئيه حول القضيّة من غميزة في الدلالة، إن كان مزيج نفسه النزول على حكم العاطفة، وما هنالك من نَعَرَات طائفته، على حين أنَّه لا يتسنّى له غمز في سندها، فإنّ ما ناء به نبيُّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الغدير من الدَّعوة إلى مفاد حديثه لم يختلف فيه اثنان، وإن اختلفوا في مؤدّاه لأغراض وشوائب غير خافية على النابه البصير. فذكرها من أئمة المؤرخين ابن قتيبة المتوفّى(276هـ) في المعارف و الإمامة والسياسة. وهذا الشأن في علم التاريخ لا يقلّ عنه الشّأن في فنّ الحديث، فإنّ المحدِّث إلى أيّ شطر ولّى وجهَه من فضاء فنّه الواسع، يجد عنده صِحاحاً ومَسانيد تُثبت هذه المأثرة لوليّ أمر الدين عليه السلام، وَلَمْ يزل الخَلَف يتلقّاه من سَلَفه حتّى ينتهي الدور إلى جيل الصحابة الوعاة للخبر، ويجد لها مَعَ تعاقب الطبقات بَلَجاً ونوراً يذهب بالأبصار. فإن أغفل المحدّث عمّا هذا شأنه، فقد بخَس للأُمّة حقّاً، وحرمها عن الكثير الطيّب ممّا أسدى إليها نبيّها نبيُّ الرحمة صلّى الله عليه وآله وسلّم من بِرّه الواسع، وهدايته لها إلى الطريقة المُثلى. فذكرها من أئمّة الحديث إمام الشافعيّة أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعيّ المتوفّى سنة (204هـ) كما في نهاية ابن الأثير. كما أنّ المفسّر، نصب عينيه آيٌ1 من القرآن الكريم نازلةٌ في هذه المسألة، يرى مِنْ واجبه الإفاضةَ بما جاء في نزولها وتفسيرها، ولا يرضى لنفسه أن يكون عمله مبتوراً، وسعيه مُخدَجاً. فذكرها من أئمّة التفسير الطبري المتوفّى (310هـ) في تفسيره. والمتكلّم حين يقيم البراهين في كلّ مسألة من مسائل علم الكلام، إذا انتهى به السَير إلى مسألة الإمامة فلا مُنتدح له من التعرُّض لـحديث الغدير حجّة على المدّعى، أو نقلاً لحجّة الخصم، وإن أردفه بالمناقشة في الحساب عند الدلالة، مثل: القاضي أبي بكر الباقلانيّ البصريّ المتوفّى (403هـ) في التمهيد. وهذا لفظهم إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد جمع الناس يوم غدير خُمّ موضع بين مكّة والمدينة -بالجُحفة، وذلك بعد رجوعه مِنْ حجّة الوداع، وكان يوماً صائفاً حتى أنَّ الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدَّة الحرّ، وجمع الرحال، وصعد عليها. وقال مخاطباً معاشر المسلمين! ألسْتُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا اللهمّ بلى، قال من كنتُ مولاه فعليّ مولاه. اللهمّ والِ مَنْ والاه، وَعَاِد مَنْ عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله2. ومن المتكلّمين القاضي النجم محمّد الشافعيّ المتوفّى (876هـ) في بديع المعاني. واللغويّ لا يجد مُنتدحاً من الإيعاز إلى حديث الغدير عند إفاضة القول في معنى المولى أو الخُمّ أو الغدير أو الوليّ، مثل: ابن دريد محمّد بن الحسن المتوفّى (321هـ) في جمهرته ج1، ص71.3 1- كقوله تعالى ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ في سورة المائدة، وقوله فيها ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك ..﴾، وقوله في سورة المعارج ﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾. |
إضافة تعليق جديد