أسباب ضرب الأبناء

لو وقفنا وقفة تأمل إلی الدواعي والأسباب التي تدفع المربين إلی ضرب الأبناء لوجدناها كثيرة جداً قد تصل إلی عدد الذين يضربون أبناءهم، ولكن هل كل هذه الأسباب مقنعة وكافية لأن يضرب المربون أبناءهم؟ هذا ما ستراه لا حقاً إن شاء الله، ونحن هنا لن نذكر كل الأسباب لعدم إمكان ذلك ولا أكثرها لعدم الإطالة، وإنما سنذكر أبرزها مع ذكر واقعة علی كل سبب بقدر الإمكان، فإليك الأسباب:

1-الأفعال الحمقی
من عادة الطفل أن يجرب كل شيء يخطر في باله، ويفعل كل ما يروق له من دون تفكير في عواقب الأمور ومستلزماتها؛ ولذا تری أفعاله وإن كانت خاطئة إلا أنها تصدر بعفوية، فمثلاً لعب الكرة داخل المنزل مع أنه ليس مكاناً للعب، وبالخصوص إذا وجد في المنزل ما ينكسر وهو الغالب في  المنازل، مع ذلك تری الطفل لا يفكر في هذه العاقبة، وإنما كل اهتمامه أن ينفذ ما يريد وهو اللعب مثلاً ومن الطبيعي إن الكرة يترتطدم بتلك الأشياء الموجودة فلو حصل وانكسر شيء، فإن هذا الفعل مخالف للأدب فالمحافظة علی الممتلكات بالخصوص فيما لو أن الأب أو الأم قد حذرا الابن عن اللعب في المنزل عندها كيف يؤدبا الابن فالعادة هي الضرب، أو الصراخ في وجهه.
لن أفعلها مرة أخری:
أحد الأطفال كان يلعب في المنزل، وأثناء اللعب كسر زجاج النافذة فجاء أبوه إليه بعد أن سمع صوت تكسر الزجاج وسأل: من كسر النافذة؟
قيل له فلان (ولده المتوسط). فلم يتمالك الوالد أعصابه فتناول عصاً غليظة من الأرض وأقبل علی ولده يشبعه ضرباً...
أخذ الطفل يبكي ويصرخ وبعد أن توقف الأب عن الضرب جر الولد قدميه إلی فراشه وهو يشكو الإعياء والألم فأمضی ليله فزعاً.
أصبح الصباح وجاءت الأم لتوقظ ولدها فرأت يداه مخضرتان فصاحت في الحال وهب الأب إلی حيث الصوت وعلی ملامحه أكثر من دهشة، وقد رأی ما رأته الأم فقام بنقله إلی المستشفی، وبعد الفحص قرر الیطبيب أن اليدين متسممتان، وتبين أن العصا التي ضرب بها الطفل كانت فيها مسامير قديمة أصابها الصدأ لم يكن الأب ليلتفت إليها لشدة ما كان فيه من فورة الغضب مما أدی ذلك إلی أن تغرز المسامير في يدي الولد وتسرب السم إلی جسمه، فقرر الطبيب أن لا بد من قطع يدي الطفل حتی لا يسري السم إلی سائر جسمه فوقف الأب حائراً لا يدري ما يصنع وماذا يقول؟!!
قال الطبيب: لا بد من ذلك والأمر لا يحتمل التأخير فاليوم قد تقطع الكف وغداً ربما تقطع الذراع، وإذا تأخرنا ربما اضطررنا أن نقطع اليد إلی المرفق ثم من الكتف وكلما تأخرنا أكثر تسرب السم إلی جسمه وربما مات.
لم يجد الأب حيلة إلا أن يوقع علی إجراء العملية فقطعت كفي الطفل وبعد أن أفاق من أثر التخدير نظر وإذا يداه مقطوعتان فتطلع إلی أبيه بنظرة متوسلة وصار يحلف أنه لن يكسر أو يتلف شيئاً بعد اليوم شرط أن يعيد إليه يديه لم يحتمل الأب الصدمة وضاقت به السبل فلم يجد وسيلة للخلاص والهروب إلا أن ينتحر فرمی بنفسه من أعلی المستشفی وكان في ذلك نهايته.

2- الأقوال القبيحة
الألفاظ تعتبر الوسيلة الأسهل والأفضل في نقل المعاني من المتكلم إلی السامع، والألفاظ فيها الحسن والقبيح تبعاً لمعانيها، واللفظ يدل علی صاحبه إن كان حسناً فحسن صاحبه، وإن كان قبيحاً فقبيح صاحبه، ولذا ينزعج كثير من المربين عندما يتلفظ الأبناء بألفاظ قبيحة مما يؤدي إلی اتخاذ موقف رادع في كثير من الأحيان حتی تصل النوبة إلی الضرب والصراخ الشديد؛ لأن ذلك يضره هو أيضاً؛ لأن الناس لن تتهم الابن بالتقصير بل الأهل بالقول (أهله ما ربوه) وهذا كثير في مجتمعاتنا وللأسف، حيث إن ذنب غيري أتحمله أنا لأني قريبه أو صديقه أو غير ذلك.
فركت فمه بالفلفل:
كان أحد الأبناء يلعب في الشارع وعندما عاد إلی المنزل حصل بينه وبين بعض أفراد أسرته مشادة في  الكلام فقال الابن: الله يلعن... سمعته الأم فقامت بفرك الفلفل الحار علی شفتيه كي يرتدع عن هذا القول من دون اتخاذ أي أسلوب آخر، طبعاً هذا مع الصراخ والشتائم، مما أدی إلی تورم شفتا الطفل مع العلم أن عمر الطفل لا يتجاوز العشر سنوات.

3- إرث الآباء
إن لكل زمان طباعه وأخلاقه الخاصة يتصف بها أفراد ذلك الزمان وهذه الطباع والأخلاق إما مورثة أو مستحدثة، وإما أن تكون صحيحة أو خاطئة، فالصحيحة منها سواء أكانت موروثة أم مستحدثة ينبغي أن تستمر وتنقل إلی الأزمنة والأجيال المقبلة؛ وتمحی من الوجود كتربية الأبناء عن طريق الضرب والصراخ رجال، وإهمال لغة الحوار و المناقشة التي دعا إليها الأستاذ الأول في التربية ألا وهو الرسول الأعظم (ص) بل جعلها اللغة الرئيسة في الدعوة وهذا واضح من القرآن والروايات والقصص عنه وعن أهل بيته الكرام ولك نبذة منها:
قال تعالی: (ادعُ إلی سَبِيلِ رَبِّك بِالحِمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّك هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيِلِهِ وَهُوَ أعلَمُ بِالمُهتَدِينَ).
ما جاء في الخبر أن نصرانياً قال للإمام الباقر (ع) أنت بقر؟
قال: لا، أنا باقر.
قال: أنت ابن الطباخة؟
قال: ذاك حرفتها.
قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية؟
قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك، قال فأسلم النصراني.
هكذا كان أهل البيت يعاملون الآخرين حتی من يعتدي عليهم بالقول و الفعل، والقصص الواقعية علی هذا كثيرة جداً.

4- العوامل الخارجية
إن من أهم الأشياء التي ينبغي توفرها لدی الشخص الذي يريد أن يكفر في حل مشكلة ما هو الهدوء وفراغ الذهن من الأمور الخارجية؛ لأنه لو لم يخلو الذهن من ذلك فإن الحل سيكون متأثراً بها؛ ولذا فإن ضرب بعض المربين لأبنائهم لبعض التصرفات صادر عن وجود العوامل الخارجية، وهذه العوامل علی قسمين:

القسم الأول: عوامل مقصودة:
هي التي عن قصد من العامل في أن يصل المربين إلی فكر معين في حل المشكلة التي يواجهها كما إذا كان هناك شخص يحرضه علی ذلك مع ذكر الأسباب للنتيجة والفوائد منها حتی يصل صاحب المشكلة إلی قناعة بأن هذا الحل هو الأنسب فيقدم علی تنفيذه بلا شعور منه بل تلبية لرغبة المحرض له.

الثاني: عوامل غير مقصودة:
هي الأمور التي عادة لا تكون قاصدة في حد المربين إلی ضرب الأبناء، كالعمل والمجتمع وشريك الحياة وأمور أخری؛ ولذا قلنا أنها غير مقصودة، ولكن المربين يتفاعلون معها من دون أي شعور، فتراهم يتصرفون بغير الحكمة مع المشاكل التي تواجههم، وهذه كثيراً ما يحصل للمربين الذين يحسون بضعف من جهة معينة فمثلاً عندما يكون الأب مستضعفاً في عمله، وكذلك المرأة تكون مستضعفة من قبل الزوج، فإن ضربهم للأبناء ناتج غالباً عن تعويض الضعف الذي هما فيه.

6- عدم استجابة الأبناء
إن كل آمر يريد أن يستجاب أمره من المأمور بالخصوص فيما إذا كان الآمر أكبر من المأمور، حتی من يكون أمره علی نحو التخيير لا اللزوم؛ ولذا تراه ينقبض ويعبس بوجهه إذا لم يستجب المأمور لأمره، بل قد تصل النوبة إلی المخاصمة والشجار والضرب بينهما فما بالك إذا كان الآمر الوالدين والمأمور الابن فإن امتناع الابن يعتبر تحدياً وعصياناً لمقام الأبوة والأمومة، بل وصل الضرب في بعض الحالات حتی القتل.
قتل ابنه لأنه لم يتناول إفطاره:
نقلت أحد الصحف أن أباً ضرب ابنه حتی مات؛ لأنه امتنع عن أكل وجبة الإفطار بعد عدة محاولات من الأب وأمره له بأن يأكل الإفطار قبل الذهاب إلی المدرسة.

6- الفهم الخاطئ لبعض الأحكام
من المتسالم عليه أنه لو كان هناك خطأ في مقدمات مسألة فإن النتيجة حتمية الخطأ والعكس صحيح، وهذه التسالم ليس خاصاً بعلم معين أو وظيفة خاصة، فكما أن الخطأ يقع في فهم مقدمات المسائل الرياضية، فإنه كذلك يقع في فهم الأحكام الشرعية مما يؤدي إلی الخطأ في تطبيقها.
ومن الأحكام الشرعية التي يكثر في فهمها الأحكام المتعلقة بتربية الأبناء من الضرب وغيره، والنماذج علی هذه الحقيقة كثيرة جداً وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، بل هو أكثر الأسباب التي تجعل الأباء يتجرؤون بضرب أبنائهم كفهم مسألة أن الأب لو قتل ابنه فإنه لا يقتل، فماذا يقول الوالد إذا لا أقتل بقتل ابني فمن باب أولی أن لا أحاسب فيما دون القتل كالضرب فيقوم بضرب ابنه.
ابني وأنا حر فيه والشرع معي:
في يوم من الأيام حصل بيني وبين أحد الأشخاص حوار حول ضرب الأبناء ووصلنا إلی أنه بأي حق يضرب الأب ابنه؟ قال وهو واثق من نفسه: الإسلام أعطی الأب الحق في ضربه لأبنه حتی أن النبي (ص) قال في الصلاة مروهم لها بسبع واضربوهم عليها بعشر والفتوی من قبل جميع العلماء أن الأب لا يقتل بقتل ابنه، فمعناه: أن الضرب أيضاً لا إشكال فيه، بل أن الإسلام قد استخدم الضرب، بل ما هو أشد من الضرب في بعض الحدود كقطع يد السارق مثلاً.
عندها توقفت عن الحديث عندما أدركت أن هذا الشخص لديه مفاهيم خاطئة لخطأه في فهم مقدماتها وبدأت بتوضيح تلك الأخطاء له، وهذا ما سيأتي في الحلول إن شاء الله تعالی.

بقلم: قاسم خزعل الخزعل

 

 

www.abna.ir

إضافة تعليق جديد