تكاليف عصر الغيبة الكبری

اهتمت الأحاديث الشريفة بقضية تكاليف عصر الغيبة وأبرز هذه التكاليف هو واجب انتظار ظهور الإمام – عجل الله فرجه -.

 وأبرز التكاليف الأخری فكما يلي:

1-ترسيخ المعرفة بإمام العصر – عجل الله فرجه – وغيبته وحتمية ظهوره وأنه حي يراقب الأمور ويطلع علی أعمال الناس وأوضاعهم وينتظر توفر الشروط اللازمة لظهوره، وإقامة هذه المعرفة علی أساس الأدلة النقلية الصحيحة والبراهين العقلية السليمة.

وأهمية هذا الواجب واضحة في ظل عدم الحضور الظاهر للإمام في عصر الغيبة والتشكيكات الناتجة عن ذلك، كما أن لهذه المعرفة تأثيراً مشهوداً في دفع الإنسان المسلم نحو العمل الإصلاحي البناء علی الصعيدين الفردي والاجتماعي، فهي تجعل لعمله حافزاً إضافياً يتمثل بالشعور الوجداني بأن تحركه يحظی برعاية ومراقبة إمام زمانه الذي يسره ما يری من المؤمنين من تقدم ويؤذيه أي تراجع أو تخلف عن العمل الإصلاحي البناء والتمسك بالأحكام والأخلاق والقيم الإسلامية التي ينتظر توفر شروط ظهوره لإقامة حاكميتها في كل الأرض وإنقاذ البشرية بها.

وقد التقينا في الأحاديث الشريفة التي أخبرت عن غيبة المهدي قبل وقوعها بإشارات صريحة الی هذا الواجب وسنلتقي ضمن الحديث عن واجب الانتظار بنماذج أخری. يضاف الی ذلك معظم الأدعية المندوب تلاوتها في عصر الغيبة تحفز علی القيام بهذا الواجب وترسيخ المعرفة بالإمام، فمثلاً الكليني في «الكافي» عن زرارة أن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إن للقائم غيبة... وهو المنتظر وهو الذي يشك الناس في ولادته... [فقال زرارة]: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟ قال: يا زرارة متی أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء: اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني...» وفي الحديث إشارة الی الأسس العقائدية للإيمان بإمام العصر وثمار معرفته.

2- ومن التكاليف المهمة الأخری التي أكدتها الأحاديث الشريفة لمؤمني عصر الغيبة هو تمتين الارتباط الوجداني بالمهدي المنتظر والتفاعل العملي مع أهدافه السامية والدفاع عنها والشعور الوجداني العميق بقيادته وهذا هو ما تؤكده أيضاً معظم التكاليف التي تذكرها الأحاديث الشريفة كواجبات للمؤمنين تجاه الإمام مثل الدعاء له بالحفظ والنصرة وتعجيل فرجه وظهوره وكبح أعدائه والتصدق عنه والمواظبة علی زيارته وغير ذلك مما ذكرته الأحاديث الشريفة وقد جمعها آية الله السيد الإصفهاني في كتابه «مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم» وكتابه «وظائف الأنام في غيبة الإمام».

3- إحياء أمر منهج أهل البيت (عليهم السلام) الذي يمثله – عجل الله فرجه – بما يعنيه ذلك من العمل بالإسلام النقي الذي دافعوا عنه ونشر أفكارهم والتعريف بمظلوميتهم وموالاتهم والبراءة من أعدائهم والعمل بوصاياهم وتراثهم وما تقدم من تعاليمهم ونبذ الرجوع الی الطاغوت وحكوماته والرجوع الی الفقهاء العدول الذين جعلوهم حجة علی الناس في زمن الغيبة والاستعانة بالله في كل ذلك كما ورد في النص:

«وإن أصبحتم لا ترون منهم [الأئمة (عليهم السلام)] أحداً فاستغيثوا بالله عز وجل وانظروا السنة التي كنتم عليها واتبعوها وأحبوا ما كنتم تحبون وابغضوا من كنتم تبغضون فما أسرع ما يأتيكم الفرج».

4- تقوية الكيان الإيماني والتواصي بالحق الإسلامي النقي والتواصي بالصبر، وهو من التكاليف التي تتأكد في عصر الغيبة بحكم الصعوبات التي يشتمل عليها؛ والثبات علی منهج أهل البيت (عليهم السلام): «يأتي علی الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فياطوبی للثابتين علی أمرنا في ذلك الزمان...».

أهمية الانتظار
تؤكد الأحاديث الشريفة وباهتمام بالغ علی عظمة آثار انتظار الفرج؛ بعنوانه العام الذي ينطبق علی الظهور المهدوي كأحد مصاديقه البارزة؛ وكذلك علی انتظار ظهور الإمام بالخصوص. فبعضها تصفه بأنه أفضل عبادة المؤمن كما هو المروي عن الإمام علي (عليه السلام): «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله»، وعبادة المؤمن أفضل بلا شك من عبادة مطلق المسلم، فيكون الانتظار أفضل العبادات الفضلی إذا كان القيام به بنية التعبد لله وليس رغبة في شيء من الدنيا؛ ويكون بذلك من أفضل وسائل التقرب الی الله تبارك وتعالی كما يشير الی ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في خصوص انتظار الفرج المهدوي حيث يقول: « طوبی لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». ولذلك فإن انتظار الفرج هو «أعظم الفرج» كما يقول الإمام السجاد (عليه السلام)، فهو يدخل المنتظر في زمرة أولياء الله.

وتعتبر الأحاديث الشريفة أن صدق انتظار المؤمن لظهور إمام زمانه الغائب يعزز إخلاصه ونقاء إيمانه من الشك، يقول الإمام الجواد (عليه السلام): «... له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون...» وحيث إن الانتظار يعزز الإيمان والإخلاص لله عز وجل والثقة بحكمته ورعايته لعباده، فهو علامة حسن الظن بالله، لذا فلا غرابة أن تصفه الأحاديث الشريفة بأنه: «أحب الأعمال الی الله»، وبالتالي فهو «أفضل أعمال أمتي» كما يقول رسول الله (صلی الله عليه وآله).

الانتظار يرسخ تعلق الإنسان وارتباطه بربه الكريم وإيمانه العملي بأن الله عز وجل غالب علی أمره وبأنه القادر علی كل شيء والمدبر لأمر خلائقه بحكمته الرحيم بهم، وهذا من الثمار المهمة التي يكمن فيها صلاح الإنسان وطيه لمعارج الكمال، وهو الهدف من معظم أحكام الشريعة وجميع عباداتها وهو أيضاً شر قبولها فلا قيمة لها إذا لم تستد الی هذا الايمان التوحيدي الخال   الذي يرسخه الانتظار، وهذا اثر مهم من آثاره الذي تذكره الأحاديث الشريفة نظير قول الإمام الصادق (عليه السلام): «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العبادة عملاً إلا به... شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والاقرار بما أمر الله والولاية لنا والبراءة من أعدائنا – يعني الأئمة خاصة – والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم (عليه السلام) ...».

وتصريح الأحاديث الشريفة بأن التحلي بالانتظار الحقيقي يؤهل المنتظر – وبالآثار المترتبة عليه المشار اليها آنفاً – للفوز بمقام صحبة الإمام المهدي كما يشير الی ذلك الإمام الصادق في تتمة الحديث المتقدم حيث يقول: «من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر»، وكذلك يجعله يفوز بأجر هذه الصحبة الجهادية وهذا ما يصرح به الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «من مات منكم علی هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم (عليه السلام)...»، ويفوز أيضاً بأجر الشهيد كما يقول الإمام علي (عليه السلام): «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله»، بل ويفوز بأعلی مراتب الشهداء المجاهدين، يقول الصادق (عليه السلام): «من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن كان مع القائم في فسطاطه؛ قال الراوي: ثم مكث هنيئة، ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلا كمن استشهد مع رسول الله (صلی الله عليه وآله)».

حقيقة الانتظار
قال [الإمام الصادق](عليه السلام): «من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل من أدركه... ولا ريب أنه كلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند الله عز وجل...».

والانتظار يعني: «ترقب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدي آل محمد (عليهم السلام). وإمتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدين القويم علی جميع الأديان كما أخبر به الله تعالی نبيه الأكرم ووعده بذلك، بل بشر به جميع الأنبياء والأمم؛ أنه يأتي مثل هذا اليوم الذي لا يعبد فيه غير الله تعالی ولا يبقی من الدين شيء مخفي وراء ستر وحجاب مخافة أحد...».
أن الانتظار لا يكون صادقاً إلا اذا توفرت فيه: «عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدية ونفسية وسلوكية ولولاها يبقی للانتظار أي معنی إيماني صحيح سوی التعسف المبني علی المنطق القائل: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون...) المنتج لتمني الخير للبشرية من دون أي عمل إيجابي في سبيل ذلك».
«إن انتظار الفرج نوعان: انتظار بناء باعث للتحرك والالتزام الرسالي، فهو عبادة وأفضل العبادات، وانتظار مخرب يشل الإنسان عن العمل البناء فهو يعتبر نمطاً من أنماط «الإباحية»... إن نوعي الانتظار هذين هما نتيجة لنوعين من الفهم لماهية الظهور التاريخي العظيم للمهدي الموعود (عليه السلام)... والبعض يفسر القضية المهدوية وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجارية لا غير؛ وأنها نتيجة لانتشار الظلم والتمييز والقمع وغصب الحقوق والفساد... فعندها يقع الانفجار وتظهر يد الغيب لإنقاذ الحق... وعليه فإن أفضل عون يمكن أن يقدمه الإنسان لتعجيل الظهور المهدوي وأفضل أشكال الانتظار هو [السماح بـ] ترويج الفساد...

لكن المستفاد من الآيات أن ظهور المهدي الموعود حلقة من حلقات مجاهدة أنصار الحق لأشياع الباطل التي تكون عاقبتها الانتصار الكامل لأنصار الحق ومشاركة الإنسان في الحصول علی هذه السعادة مرهون بأن يدخل عملياً في صفوف أنصار الحق...

ويستفاد من الروايات الإسلامية أن ظهور المهدي (عليه السلام) يقترن ببلوغ جبهتي السعداء والأشقياء ذروة عملهم كل حسب أهدافه لا أن ينعدم السعداء ويبلغ الأشقياء ذروة إجرامهم وظلمهم، وتتحدث الأحاديث الشريفة عن صفوة من أنصار الحق تلتحق بالإمام فور ظهوره... فحتی لو فرضنا أنهم قلة من الناحية الكمية إلا أنهم من الناحية الكيفية خيرة أهل الإيمان وبمستوی انصار سيد الشهداء (عليه السلام)؛ كما تتحدث عن التمهيد لثورة الإمام المهدي بسلسلة من الانتفاضات التي يقوم بها أنصار الحق... كما تتحدث بعضها عن حكومة يقيمها أنصار الحق وتستمر حتی تفجر ثورة الإمام المهدي».

وعلی ضوء ماتقدم يتضح أن الانتظار الحقيقي يتضمن حركة بناء مستمرة واستعداد لظهور المنقذ المنتظر علی الصعيدين الفردي والاجتماعي مهما كانت الصعاب والتضحيات، يقول الإمام الخميني (قدس سره) في آخر بيان أصدره بمناسبة النصف من شعبان قبل وفاته: «سلام عليه (المهدي الموعود) وسلام علی منتظريه الحقيقيين، سلام علی غيبته وظهوره، وسلام علی الذين يدركون ظهوره علی نحو الحقيقة ويرتوون من كأس هدايته ومعرفته سلام علی الشعب الايراني العظيم الذي يمهد لظهوره بالتضحيات والفداء والشهادة...».

تبقی قضية علائم الظهور التي ذكرت الأحاديث الشريفة أنها تسبق الظهور المهدوي، وتعارضها من القول بوجوب الانتظار الفوري، وهو تعارض مرفوع بأن انتظار الحتمي منها هو انتظار للظهور في الواقعة  لأنها جزء كما أن زمن وقوع العلائم الحتمية للظهور قريب من موعد الظهور وأما شرائط الظهور وتوفير الأوضاع اللازمة له فإن من المحتمل اكتمالها في كل حال. يقول السيد الشهيد محمد الصدر (رحمه الله): «إن العلامات يحتمل وقوعها في أي وقت ويحتمل أن يتبعها ظهور المهدي (عليه السلام) بوقت قصير، وأما شرائط الظهور فيحتمل اكتمالها وانجازها في أي وقت أيضاً، وقلنا بأن وجود هذا الاحتمال في نفس الفرد كاف في إيجاد الجو النفسي للانتظار الفوري».

وهذا الجو النفسي المطلوب في الانتظار الفوري هو الذي يشكل الدوافع المحرضة للمؤمن لكي يسارع في توفير الشروط اللازمة لنصرة إمامه المهدي – عجل الله فرجه – من خلال إعداد نفسه وغيره بالتهذيب والتربية اللازمة للتحلي بخصال أنصار المهدي.

الجمهوريه الاسلاميه والاعداد للدور المهدوي المرتقب
استطاع خاتم الأنبياء – كما عرفنا – أن يتوج جهود سلفه الطاهر بإقامة أنظف وأطهر دولة في التاريخ شكلت بحق منعطفاً عظيماً في تاريخ الإنسان، وجسدت مبادئ الدولة الصالحة تجسيداً كاملاً ورائعاً.

وعلی الرغم من أن هذه الدولة قد تولاها في كثير من الأحيان بعد وفاة الرسول الأعظم قادة لا يعيشون أهدافها الحقيقية ورسالتها العظيمة؛ فإن الإمامة – التي كانت امتداداً روحياً وعقائدياً للنبوة ووريثاً لرسالات السماء – مارست باستمرار دورها في محاولة تصحيح مسار هذه الدولة وإعادتها إلی طريقها النبوي الصحيح، وقدم الأئمة في هذا السبيل زخماً هائلا من التضحيات التي توجها استشهاد أبي الأحرار وسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين مع الصفوة من أهل بيته وأصحابه في يوم عاشوراء.

وقد امتدت الإمامة بعد عصر الغيبة في المرجعية، كما كانت الإمامة امتداداً بدورها للنبوة، وتحملت المرجعية أعباء هذه الرسالة العظيمة، وقامت علی مر التاريخ بأشكال مختلفة من العمل في هذا السبيل أو التمهيد له بطريقة وأخری.

وقد عاش العالم المسلم الشيعي دائماً – مع كل الصالحين وكل المستضعفين من أبناء هذه الأمة الخيرة – عيشة الرفض لكل ألوان الباطل، والإصرار علی التعلق بدولة الأنبياء والأئمة، بدولة الحق والعدل التي ناضل وجاهد من أجلها كل أبرار البشرية وأخيارها الصالحين.

وقد استطاع الشعب الإيراني المسلم أن يشكل القاعدة الكبری لهذا الرفض البطولي والثبات الصامد علی طريق دولة الأنبياء والأئمة والصديقين؛ باعتباره الجزء الأكثر التحاماً مع المرجعية الدينية وأسسها الدينية والمذهبية.

وقد بلغت هذه القاعدة الرشيدة بفضل القيادة الحكيمة للمرجعية الصالحة التي جسدها الإمام الخميني – دام ظله – قمة وعيها الرسالي والسياسي الرشيد من خلال صراعها المرير مع طواغيت الكفر ومقاومتها الشجاعة لفرعون ايران الحديث، حتی استطاعت أن تلحق به وبكل ما يمثله من قوی الاستعمار الكافر أكبر هزيمة يمنی بها المستعمر الكافر في عالمنا الإسلامي العظيم.

وكان من الطبيعي أن يزداد الشعب الإيراني المسلم إيماناً برسالته التاريخية العظيمة وشعوراً بأن الإسلام هو قدره العظيم؛ لأنه بالإسلام وبزخم المرجعية التي بناها الإسلام وبالخميني القائد استطاع أن يكسر أثقل القيود ويحطم عن معصميه تلك السلاسل الهائلة، فلم يعد الإسلام هو الرسالة فحسب، بل هو أيضاً المنقذ والقوة الوحيدة في الميدان التي استطاعت أن تكتب النصر لهذا الشعب العظيم.

ومن هنا كان طرح المرجعية الرشيدة للجمهورية الإسلامية – شعاراً وهدفاً وحقيقة – تعبيراً حياً عن ضمير الأمة، وتتويجاً لنضالها بالنتيجة الطبيعية، وضماناً لاستمرار هذا الشعب في طريق النصر الذي شقه له الإسلام.

والشعب الإيراني العظيم – بحمله لهذا المنار وممارسته مسؤوليته في تجسيد هذه الفكرة وبناء الجمهورية الإسلامية – يطرح نفسه لا كشعب يحاول بناء نفسه فحسب، بل كقاعدة للإشعاع علی العالم الإسلامي وعلی العالم كله في لحظات عصيبة من تاريخ هذه الإنسانية، يتلقت فيها كل شعوب العالم الإسلامي الی المنقذ من هيمنة الإنسان الأوروبي والغربي وحضارته المستغلة، ويتحسس فيها كل شعوب العالم بالحاجة إلی رسالة تضع حداً لاستغلال الإنسان للإنسان.

وعلی هذا الأساس قام الشعب الإيراني المسلم في هذه اللحظات الزاخرة بالتاريخ والغيبة بمعاني البطولة والجهاد والمفعمة بمشاعر النصر وإرادة التغيير، بدوره التاريخي، فصنع لأول مرة في تاريخ الإسلام الحديث دستور الجمهورية الإسلامية، وصمم علی أن يجسد هذا الدستور في تجربة رائعة ورائدة.

وكما هز هذا الشعب العظيم ضمير العالم وزعزع مقاييسه المادية بقيمه التي جسدها في مرحلة المبارزة، كذلك سيهز ضمير الإنسانية المظللة ووجدان الملايين المعدبين، ويغمر العالم بنور جديد هو نور الإسلام الذي حجبه الإنسان الغربي وعملاؤه المثقفون وبذلوا كل وسائلهم – من الاحتلال العسكري إلی التشويه الثقافي والتحريف العقائدي – في سبيل إبعاد العالم الإسلامي عن هذا النور؛ لكي يضمنوا لأنفسهم السيطرة عليه ويفرضوا عليه التبعية.

ان الإسلام الذي حجزه الاستعمار عسكرياً وسياسياً في قمقم ليصبغ العالم الإسلامي بما يشاء من ألوان قد انطلق من قمقمه في إيران، فكان زلزالا علی الظالمين، ومثلا أعلی في بناء الشعب المجاهد والمضحي، وسيفاً مصلتاً علی الطغاة ومصالح الاستعمار، وقاعدة لبناء الأمة من جديد. ولم يبرهن الإمام الخميني بإطلاقه للإسلام من القمقم  علی قدرته الفائقة وبطولة الشعب الإيراني فحسب، بل برهن أيضاً علی ضخامة الجناية التي يمارسها كل من يساهم في حجز الإسلام في القمقم وتجميد طاقاته الهائلة البناءة وإبعادها عن مجال البناء الحضاري لهذه الأمة.

وهذا النور الجديد الذي قدر للشعب الإيراني أن يحمله إلی العالم سوف يعري أيضاً تلك الأنظمة التي حملت اسم الإسلام زورا بنفس الدرجة التي يدين بها الأنظمة التي رفضت الإسلام.

بقلم: السيد منذر الحكيم

 

www.abna.ir

إضافة تعليق جديد