صمود فاطمة الزهراء (عليها السلام) أمام الفتن

فاطمة الزهراء

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن رَأى مِنكُم مُنكراً فليغيِّرُه بيده، فإن لم يستطع فَبِلِسَانِه، فإن لم يستطع فَبِقَلبِه، وذلك أضعف الإيمان.
لقد وضعت الأحداث التي عاشها المسلمون بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، الزهراء (عليها السلام) في الصدارة، وهي أول ثائرة في الإسلام.
فقامت (عليها السلام) بالدور المطلوب الذي لم يتسنَّ لأحد القيام به، بسبب عُنفِ تِلك الفترة.
فقامت (عليها السلام) بالدور النبوي العظيم، بمشاركتها أبيها (صلى الله عليه وآله) في الإبلاغ، والإنذار.
فأبلغت (عليها السلام) في الحجة، وحَذَّرت من الفتنة، وأشارت إلى الانحراف، وَهَدَتْ إلى سواء الصراط، فانظر إليها (عليها السلام) وهي تُذَكِّرهم، وتحملهم المسؤولية إزاء الأحداث: فقالت (عليها السلام): أنتم عِبادُ اللهِ نصب أمره ونهيه، وحَمَلةُ دينِه وَوَحيِه، وأمناءُ الله على أنفسكم، وبلغاؤُه إلى الأمم، زعيم حق فيكم وعهد قدمه إِليكُم كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق.
إلى أن قالت (عليها السلام): فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) دار أنبيائه، ظهرَت فِيكُم حسيكة النفاق، وَسملَ جِلبَابِ الدِّين، ونَطَق كاظم الغَاوِين، وأطلع الشَّيطَانُ رأسَه من مغرزِه هاتفاً بكم، فَأَلفَاكم لدعوتِهِ مُستجِيبين، ثُمَّ استَنهَضَكُم، فَوجَدكُم خفافاً، فَوَسَّمتُم غير إِبلِكُم.
هذا والعهدُ قريب، والكَلِم رحيبْ، والجَرحُ لَمَّا يَندَمِل، والرَّسول لَمَّا يُقبَر، ابتداراً زعمتُم خوفَ الفِتنَة، ألاَ فِي الفِتنَة سَقَطُوا، وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَةٌ بالكَافِرينَ.
فَكيفَ بِكُم، وأَنَّى تُؤفَكُون؟، وكتابُ الله بين أظهركم، وقد خَلفْتُمُوه وَرَاء ظُهُورِكُم، أَرَغبَةً عنه تريدون؟، أَم بِغَيرِه تَحكُمُون؟، بئس للظالمين بدلاً، وَمن يتَّبِع غير الإسلام ديناً فَلن يُقبَلَ منه، وَهو في الآخرة مِنَ الخَاسِرِين.
وفي موقف آخر لها (عليها السلام) مع نساء المهاجرين والأنصار لما عُدْنَها في مرضها، وانظر إليها (عليها السلام) كيف تَعبُر القرون والأجيال لِتُعطِيكَ نتائج الانحراف قبل وقوعها: قالت (عليها السلام): أَمَا لَعَمري، لَقد لُقِّحَتْ، فنظرة ريثما تُنتِجُ، ثم احتَقبُوا مِلءَ القعب دماً عَبيطاً، وأبشروا بسيفٍ صارمٍ، وسطوَةِ مُعْتَدٍ غاشم، واستبداداً مِن الظالمين، يَدَعُ فَيئَكُم زَهِيداً، وَجمعَكُم حَصيداً.
فكأنها (عليها السلام) تنظرُ بِعينِ الغيب.
وانظر إلى أحوال المسلمين اليوم وقبل اليوم، وبعد ذلك الانحراف الأول حيث صارت الإمامة هذا المنصب الإلهي المقدس مُلكاً عَضُوضاً، يتوارثه الفُسَّاقُ والفُجَّارُ، أَمَوِيُّون وعَبَّاسِيُّون، وإلى يومك هذا، وَما حَلَّ بالمجتمع الإسلامي مِن الوَهن والضعفِ كان نتيجة ذلك الانحرافِ الأَول.
ومن مظاهر دورها السياسي (عليها السلام) منزلُها الذي كان مَقَرّاً للمؤمنين الصادقين، الثابتين على عهد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) من الذين عارضوا بيعة السقيفة.
قال ابن قُتَيبة الدينوري: وإن أبا بكر تَفَقَّد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي، فبعث إليهم عُمَر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فَأَبَوا أن يخرجوا، فَدعا بالحَطَب وقال: والذي نَفس عُمَر بيده، لَتَخرُجَنَّ أو لأُحرِقَنَّها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة (عليها السلام)!!.
فقال: وَإِنْ.
وفي مكان آخر في الإمامة والسياسة، قال الدينوري: ثمَّ قَام عُمَر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة، فَدَقُّوا الباب، فلما سمِعَت أصواتَهُم نادت (عليها السلام) بأعلى صوتها: يا أبتِ، يا رسول الله، ماذا لَقِينَا بَعدَك مِنِ ابنِ الخَطَّابْ وابن أبي قحافة؟!! .
فلما سَمعَ القومُ صوتَها وبكاءها (عليها السلام) انصرفوا باكين، وكادت قُلوبهم تَتَصَدَّعُ، وأكبادهم تَتَفَطَّر.
وبقي عُمَر ومعه قومٌ، فأخرجوا علياً، فَمَضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بَايِع.
فقال (عليه السلام): إن لم أفعل فَمَه؟ .
قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضربُ عُنُقَكَ.
فَقال (عليه السلام): إِذاً تقتلون عَبداً لله وأخاً لرسوله.
قال عُمَر: أَمَّا عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا.
وأبو بكر ساكت لا يتكلم.
فقال له عُمَر: ألا تأمر فيه بأمرك؟.
فقال أبو بكر: لا أُكرِهه علي شيء ما كانت فاطمة إلى جَنبِه.
فَلَحِقَ علي (عليه السلام) بِقَبرِ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصيح، ويبكي، وينادي: يَا ابنَ أُمِّ، إنَّ القومَ استضعَفُونِي، وَكَادُوا يَقتُلُونَنِي.
كما أنها طالبت بحقها في فَدَك وَخَيبَر، وأقامت على ذلك الأدلة والبراهين، لكن رُدَّت دعواها، وهي التي طَهَّرهَا اللهُ تعالى مِن الرجس تَطهيراً.
وأقامت (عليها السلام) الحجة والدليل على أهلية وكفاءة أهل البيت (عليهم السلام) في إدارة شؤون الأمّة.
فقالت (عليها السلام) لنساء المهاجرين والأنصار: استَبدَلُوا والله الذنَابَى بالقَوادِم، وَالعَجزَ بالكَاهِل، فَرَغْماً لِمَعاطس قَومٍ يحسبون أنهم يُحسِنُون صُنعاً، (أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشعُرُونَ) [البقرة: 12].
وَيحَهُم، (أفَمَن يَهدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيفَ تَحكُمُونَ) [يونس: 35].
وفي مقام آخر قالت (عليها السلام): نحنُ وسيلتُهُ في خَلقِه، ونحنُ خَاصَّتُه ومحلُّ قُدسِه، ونحنُ حُجَّتُه في غيبتِه، ونحنُ وَرَثَةُ أَنبِيَائِه.
وقد رفضَتْ (عليها السلام) المُصَالحة مع أبي بكر وعُمَر.
فقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: والصحِيح عندي أنها (عليها السلام) مَاتَتْ وهي وَاجِدَة على أبي بكرٍ وَعُمَر، وأنَّها أوصت ألا يُصَلِّيَا عَليها.
وقد سعى الشيخان مِراراً أن يستأذِنَا على فاطمة (عليها السلام) فَلم تأذن لهما، فَأتيا عَلياً (عليه السلام) فَكَلَّمَاهُ، فأدخلهما عليها.
فلما قعدا عندها حَوَّلَت (عليها السلام) وجهَهَا إلى جهة الحائط، فَسَلَّمَا عليها، فَلَم تَرُدَّ عليهما السلام، ثم قالت: نَشَدْتُكُمَا الله، أَلَم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: رِضَا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة ابنَتِي أَحَبَّنِي، ومن أرضَى فاطمة فقد أرضَاني، ومن أسخَطَ فاطمة فقد أسخَطني؟ .
قالا: نعم، سمعناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقالت (عليها السلام): فإني أُشهِدُ اللهَ وملائِكتَهُ أنَّكُما أسخَطْتُمَانِي، وَمَا أرْضَيتُمانِي، وَلَئِنْ لَقيتُ النَّبي (صلى الله عليه وآله) لأَشْكُوَنَّكُمَا إليه.

 

المصدر: www.qadatona.org

إضافة تعليق جديد